خُطبَةُ الجُمْعَةِ يَومَ الاثنينِ

230
ناجي الجندي

د. ناجي الجندي

كاتب صحفي

• لما يسـألونك صلاة الجمعة الجاية يوم شنو؟

عليك أن ترد بأنها يوم الخميس، فهناك أسئلة تستحق إجابة مثلها، وحين يسأل أحدهم الحرب حتنتهي متين؟ فقل لهم إن الحرب حتنتهي يوم الاثنين بعد خطبة الجمعة.

ويسألونك مرةً أخرى حمى الضنك حتنتهي متين؟ فالجواب حتنتهي يوم الاثنين بعد خطبة الجمعة، وكذلك موعد نهاية الملاريا، وموعد نظافة الشوارع، وموعد نظافة الوطن.

وصل هذا الخبر للناس، فانتظروا خطبة الجمعة يوم الاثنين، والمشكلة الحقيقية أن خطبة الجمعة سوف تأتي، ويوم الاثنين سوف يأتي، ولكن خطبة الجمعة يوم الاثنين لن تأتي وهذا للذين ينتظرونها، وهم كُثر.

كنت أتعجب دومًا حين أجد أحد المسؤولين عن الصحة يعلّق على سوء الصحة في بلاده، وحقيقة (الزول بونسو غرضو)، وأكثر المسؤولين عن الصحة لا تونسهم أنفسهم عن الصحة، وهذا لا يحتاج إلى دليل إثبات.

والمسؤول الصاحي يتحرك في دائرة أوسع، فخطة تطوير الحقل الصحي وحده تحتاج ل(صفر) جنيه، وخطة تطوير التعليم في السودان تحتاج ل(صفر) جنيه، ولكن أين هي العقلية التي تتحرك في دائرة أوسع؟ المصريون عندهم خبير اقتصادي اسمه صلاح جودة توفي قبل عشر سنوات، هذا الرجل لم يكن وزيرًا ولكن كان الوزراء يهابونه، لأنه يهدد عروشهم التي هي عبارة عن حرس وسيارات وبرستيج لا غير، فهو كان عقلية جبارة، وضع حلًا لكل مشكلات مصر الاقتصادية وبشكل بسيط جدًا، صلاح جودة تحرك في دائرة أوسع من مكتبه ومجموعة عمله فوصل للحل، وهذا الرجل نموذج للمفكر الجاد، وقد أخذ من اسمه (جودة) كثيرًا من الجودة والجدية والإجادة، صلاح جودة لكل من يستمع إليه علم تمامًا أن الله خلق لبعض الناس عقولًا، وخلق لكثير من الناس (جيوبًا) فملأ صلاح جودة الأفكار حق أن تُنشر وتُفهم، وملأ الآخرون خزائنهم بكثير مال، وأمخاخهم بكثير مخاط.

في مؤسسة مهمة في السودان، تبرع المساهمون في عمل خير لإكمال صرح خدمي يفيد المواطنين، ويرحمهم من كثير عناء، ولكن رغم تجميع المبلغ المقترح لإقامة المشروع، قابل المشروع الكثير من المطبات والمتاريس المصطنعة من مدير تلك المؤسسة الخدمية، لأن عمل هذا المشروع عنده يعني قتل (الكومشن) والفوائد الجانبية التي كان يتلقاها من العمل التقليدي القديم، فالمشروع الجديد المتطور والمنقذ لحياة الكثيرين، سيقفل عنه (بلف) الموارد الخاصة، وفشل المشروع. 

قس على ذلك، فمثل هذه الحالة موجودة وبكثرة في مئات من المرافق الخدمية عندنا، وربما اختلف فقط الشكل ولكن الطريقة واحدة.

وكما يقولون (النصيحة بقولها زول عوير أو زول فارس)، فيهمنا في الأمر النصيحة، ولا يهم أن نكون عوراء أو فراس، فنصيحتي لكم (فكروا)، وما أصعبها من وصية، لأن المسؤول لا يريد أن يفكر، فلو فكّر فسيُقال من منصبه، مثل الحمار يحمل أسفارًا، يأكل ينوم يمشي المكتب يأمر وينهي ويشخط وينطر ويرجع البيت، ولو سألوه عملت شنو؟ لقال عملت كل الواجب أكلت نمت مشيت المكتب أمرت نهيت ورجعت البيت، دخلت نملة وأكلت حبة وخرجت، والمسؤول في بلادي يكفيه من الحياة منصب وجاه وحاشية، ولا عاوز يبقى عوير ولا عاوز يبقى فارس، هذا حالنا وهذا محتالنا.

وبهذا الحال علينا أن نكون أكثر تفاؤلًا وننتظر خطبة الجمعة يوم الاثنين، وصلاة الجمعة يوم الثلاثاء، وعيد الأضحى بعد رمضان، وعيد الفطر بعد الوقفة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *