خوار الحكومة الموازية في الراهن السوداني

11
الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• تُعدّ فكرة تشكيل حكومة موازية في أي دولة من الدول إحدى الظواهر السياسية التي تعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتُظهر عمق الأزمات التي تعاني منها النخب الحاكمة والمجتمع ككل.

في السودان، حيث تشهد البلاد تحولات سياسية كبيرة منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ، برزت فكرة الحكومة الموازية كواحدة من التحديات غير المسبوقة، التي تواجه عملية الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء الدولة. في هذا المقال نتناول هشاشة تكوين حكومة موازية في السودان، ونحلل الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وتداعياتها على المستقبل السياسي للبلاد.

في السياق التاريخي والسياسي نجد أن السودان، بتركيبته الاجتماعية المعقدة وتعددية إثنياته وثقافاته، عانى لعقود من الحكم الاستبدادي والصراعات الداخلية. بعد سقوط نظام الإنقاذ، دخلت البلاد في مرحلة انتقالية هشّة، حيث تم تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين المدنيين والعسكريين، بهدف إدارة الفترة الانتقالية، وإعداد البلاد لانتخابات ديمقراطية. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت الانقسامات داخل هذه الحكومة، أعادت البلاد إلى مربع الصراع بين المدنيين والعسكريين.

من حينها بدأت تظهر دعوات لتشكيل حكومة موازية من قبل بعض القوى السياسية والمجموعات المعارضة للسلطة الحالية، ختمتها باجتماع نيروبي الأخير. هذه الحكومة الموازية تُعدّ محاولة لخلق بديل سياسي للحكومة القائمة، لكنها تظل هشّة وغير قادرة على تحقيق الاستقرار أو الإجماع الوطني.

ومن ضمن أسباب خوار الحكومة الموازية، الانقسامات السياسية العميقة بين الفصائل السياسية المختلفة، التي جمعتها فقط قاعة المؤتمر، دون برامج ورؤى مشتركة، فهي شتات ما بين الضعف والهوان، وشخصيات باهتة جمعوها من على الطرقات ومواقع التواصل. هذه الانقسامات تجعل من الصعب على أي حكومة موازية أن تحظى بدعم واسع أو شرعية شعبية. فغياب الإجماع الوطني حول رؤية سياسية موحدة، يُضعف أي محاولة لتشكيل حكومة بديلة.

كما أن ضعف البنية التحتية السياسية للأحزاب السياسية نفسها، يشكّل معضلة حقيقية، فهي تعاني من ضعف تنظيمي، وغياب برامج سياسية واضحة. هذا الضعف يجعل من الصعب على أي حكومة موازية أن تعتمد على قاعدة سياسية قوية تدعمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب المؤسسات الديمقراطية القوية يُضعف قدرة أي حكومة على تحقيق الاستقرار.

ومن جانب آخر، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية

الحادة التي تواجهها، بما في ذلك التضخم المرتفع، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. هذه الأزمات تجعل من الصعب على أي حكومة، سواء كانت رسمية أو موازية، أن تحظى بدعم شعبي واسع. فالشعب السوداني، الذي يعاني من تدهور مستويات المعيشة، قد لا يرى في الحكومة الموازية حلاً لمشكلاته اليومية.

أضف إلى ذلك التدخلات الإقليمية والدولية التي تعاني منها البلاد، حيث تسعى دول إقليمية، بالإضافة إلى قوى دولية، إلى تحقيق مصالحها في البلاد. هذه التدخلات تُضعف أي محاولة لتشكيل حكومة موازية مستقلة، حيث تصبح هذه الحكومة عرضة للضغوط الخارجية.

كما أن وجود الدعم السريع نفسه داخل هذه المنظومة، يشكك في مصداقية هذا التجمع ونجاحه في إقامة حكومة، بعد الممارسات الشنيعة التي قام بها في حق المواطنين العزل في المدن التي كانت تحت سيطرته.

وأخيراً فإنّ غياب وافتقار الحكومة الموازية للشرعية الدستورية والقانونية، حيث لم يتم تشكيلها عبر آليات دستورية معترف بها. هذا الغياب للشرعية يجعلها عرضة للانتقادات، وعدم الاعتراف من قبل المجتمع الدولي، وحتى من قبل بعض الفصائل الداخلية.

إلا أنّ هناك تداعيات لتشكيل حكومة موازية، لا بدّ من النظر لها بعين الاعتبار، وعدم إهمال تأثيراتها على مستقبل الدولة المدنية في السودان.

فهي تفاقم الأزمة السياسية في البلاد، حيث سيؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات والصراعات بين الفصائل السياسية. هذا الصراع قد يعوق أي محاولة لتحقيق الاستقرار السياسي وإعادة بناء الدولة.

كما أنّ ذلك يعمل على إضعاف الثقة في العملية السياسية، ويضاعف من عدم قناعة الشعب السوداني وثقته بالعملية السياسية برمتها، حيث سيظهر ذلك كدليل على عدم قدرة النخب السياسية على التوصل إلى حلول توافقية. هذا الإضعاف للثقة قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية.

ومن ضمن التداعيات أيضاً، التأثير السلبي على الاقتصاد وتدهور أكبر فيه، حيث سيؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمارات الخارجية، وزيادة عدم الاستقرار الاقتصادي. هذا التدهور سيؤثر سلباً على حياة المواطنين، الذين يعانون بالفعل من أزمات اقتصادية حادة.

وأخيراً فإن ذلك يعمل على تعقيد جهود الوساطة الدولية، فغياب طرف سياسي موحد للتفاوض معه، سيُصعب من مهمة الوسيط الدولي في تحقيق تسوية سياسية.

لذلك، فإنَّ تشكيل حكومة موازية في السودان يظل إحدى الظواهر السياسية التي تعكس عمق الأزمة التي تعاني منها البلاد. هذه الحكومة، رغم أنها قد تبدو كحل لبعض القوى السياسية، إلا أنها تظل هشّة، وغير قادرة على تحقيق الاستقرار أو الإجماع الوطني.

إنّ الخروج من هذه الأزمة، يتطلب إعادة بناء الثقة بين الفصائل السياسية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وإيجاد حلول جذرية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فقط من خلال تحقيق إجماع وطني حقيقي يمكن للسودان أن يتجاوز هذه المرحلة الحرجة، ويبدأ في بناء مستقبل مستقر وديمقراطي في المنظور القريب.

يبدو أن الململمين في نيروبي قد أصابوا الدولة المدنية في مقتل، بممارساتهم التي لا تمت للمدنية بصلة، ومن حيث لا يدرون أهدوا الحكومة القائمة شرعية شعبية واسعة النطاق وعلى طبق من ذهب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *