د. عبدالمنعم

د. عبدالمنعم سليمان

كاتب صحفي

• احترنا وحار دليلنا وآذاننا في عالم اليوم يصمها صوت المقذوفات وأزيز الطائرات، وفوق ذلك نباح الظالمين في المؤتمرات، بتبرير هذا القتل وهدير الدبابات، وهدم البنايات على رؤوس الصغار من البنين والبنات، الذين تحت الأنقاض لا يملكون إلا خافت الأنّات، وقاتلهم ما زال يبرم الشوارب في المؤتمرات مفنداً لفعله بمزيد من التبريرات، في أن هؤلاء الصغار الأوباش، إن كبروا دون قتل، سيستبيحون الدم السامي طاهر الجينات.

يحتطب الضباع من أطراف غابات الظلم أحطاباً من الدبابات، والطائرات، والمسيّرات، والمدافع المضادة للطائرات، ليشعلوا بها نار الحروب، ويفزعوا بها العصافير في أعشاشها والظباء في سهولها، والصغار في أثداء الأمهات. 

أيها الضبع عاشق الجيف، ألا تحلو لك الحياة، إلا وأنت تبقر البطون، وتلتهم ما تبقى من الأحشاء؟

مؤتمر الضباع في عالمنا الملتاع، لا يكف عن الاجتماع تلو الاجتماع، ومهر صفقات الموت والدمار، وتبادل الأموال بالسلاح، وتبادل الأنخاب على وعد بالدمار والخراب. 

لم يبقَ في اليابسة شبر  إلا وعاث فيه  ضبع الغاب ردماً من الخراب. 

نصحو كل يوم لنحدق في التلفاز فتجيئنا الأخبار ، بأن ضبعاً مدبب الأنياب بطائر مهاب، أصاب بالحمم، بضع خيمات سقفها يعلو فقط متراً من التراب، ليعلو صوت أطفال صغار تخمد بعدها الأنفاس، والضبع يرغي ويزبد في اجتماع ليبلغ  مجلس الوزراء، لقد قضينا بكل دقة على وكر خطير للإرهاب، ونحن نعلم جميعاً أن هذا الإرهابي الصغير كان يمتص ثدياً جفّ ضرعه كما جفت من دخان الظلم في الأرض من السماء ظلال السحاب. 

وهكذا يدور رحى الحرب، ويحكم إغلاق كل المنافذ بأرتال من الجنود، والدبابات حتى لا يدخل الحليب، للصغار، ويشعل الضبع غليوناً، تنتفخ من دخانه الأوداج، وهو يعلن في جمع من المهوسين من صغار الضباع، أننا لن نوقف القتال حتى آخر طفل من زمرة الإرهاب،  فتعلو زمجرة الضباع ترحيباً بذا القرار. 

وهناك في أجزاء أخرى من غابة قصواء، تضجّ فيها الظباء، والحمائم، والنسور  والحداء احتجاجاً على ما يجري من مجازر،  من قبيلة الضباع، وتصدر البيانات من الكل شجباً دونما استثناء، بالإدانة الرعناء، ليعلو صوت ضبع شائخ تهدلت منه الأجفان، وتساقطت من فمه الأنياب، ليرسل سهم  فيتو لا يخطئ المسار، فينحر الأعناق،  ويخرس الشجب  والإدانة الخافتة  لتهدأ الأنفاس، وتجف الدموع في الأحداق. 

هل تعلمون يا معشر الضباع أن صاروخاً واحداً قيمته تفوق مليونين من الدولارات، يسقط مسيّرة بدائية قيمتها لا تزيد عن ألفي دولار، وعلبة الحليب في الأسواق، لذاك الرضيع الذي صراخ صوت جوعه أعلى من صوت انفجار دانة رعناء، لا يساوي غير بضع دولارات لا تزيد عن العشرة؟ 

قل لي بربك أيها الضبع المهتاج، كم علبة حليب كانت ستغرق الديار والأحياء، بثمن ذا الصاروخ الأهوج، الذي أعددته  ليصطاد لك تلك المسيرات؟

 كم طفل كان سيمتص حليباً رحيقاً للحياة، ليبذر في الأرض بعد ذلك بذور السلام والحياة والنماء؟

هكذا طبع الضباع الغدر، وإن فرشت لها الأرض بالأزهار والورود، وأم عامر قبل ذلك وأم عامر هي كنية الضبع قد غدرت قبل ذلك بالأعرابي الذي أجارها عندما دخلت إلى خبائه، بعد أن كانت طريدة للصائدين، وأوقف الصائدين عن صيدها بنخوة الأعراب وقت ذاك، ومن ضرع شاته بيده من حليبها سقاها، وآمنها، ورعاها، وبعد لحظة، وبعد فضله، وعند نومه، غرست أنياب غدرها في أحشائه، واستلذت بطعم ما انهمر من دمائه، وهكذا الضباع من أزمان، غدرها يغرس الأنياب في الرقاب. 

يا ضباع العالم كيف يحلو لكم النوم، وأطفال غزة تحت الأنقاض يئنّون؟

يا ضباع العالم كيف يحلو لكم النوم، وأنتم بالأرواح تعبثون؟

يا ضباع العالم حبل الظلم الذي تطوقون به أعناقكم، سيلتف ذات يوم حولها، ليحكم الخناق، وتجحظ العيون، ثم تخمد الأنفاس.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *