
سارة عبدالمنعم
كاتبة روائية
• أظنني مُصابة بحالةٍ مزاجيةٍ تستدعي التخبَّط، وشيئاً من تمرُّدِ أفكار. لجأتُ إلى نفسي، بما أنني أُعاني خوفاً من الأطباء والحقن ولا أتناول العقاقير، فخلقتُ بداخلي طبيباً أقصُّ عليه حكايا تؤرِّقُني. أحياناً أستحضر وحدي أدويةً أتعالج بها. أمي مؤمنة، بيقين، أنني ممسوسة، والأغرب أنني أنال من تخيلاتي شفائي!
أشعر باضطرابٍ في عقلي، قريبة من الجنون تأخذني أفكاري … وماذا لو أنني خرجتُ متسلَّلةً في منتصف آخر الليل؟
منتعلةً اللاشيء، مُسدِلةً شعري لمعانقةِ الهواء، مُتدثِّرةً بذراعِ الحريِّة؟
أو أجلسُ في ركن شارع بيتنا، أُشعل سيجارةً، وأسبُّ رجالَ الحيِّ تذمّراً في لعبة كوتشينة؟
أم أستلقي جوار النيل حاملةً روايةً لا أعلم من كاتبها ولا ما فيها، بقدر ما يُهمُّني مراقبة عاشقين تتهامس شفاههما بأحاديثَ غرامٍ لا يعكِّر جمالها سوى فضول نظرات توجُّسهما من المارَّة؟
ماذا يحدث لو أنَّ الحبَّ في بلادي يحميه القانون؟ نقدِّس العُشَّاق، نهديهم ورداً وأغاني احتفاءً بهم!
و … تُرى، بمن كنت سأحتفِي؟ كم رجلاً صادفت؟! بمن كنتُ سأُسمَّى؟
عاشقةُ فُلان؟ أم معشوقة آخر؟ أم مخدوعتك؟
تزداد الآن حالتي اضطراباً مُزعجاً. إذاً، سأكتبُ هذه الحماقات.
لحظة! لماذا لا أفضح نفسي بنفسي؟ أكتبُ عن كلِّ شيء، عن أشياءَ أستلذُّ بذكراها، لكن ذكرها فقط سيجعلني امرأة سوء!
من الذي أتى بعطرِ تلك السنوات الآن؟ بملامحِ فزعي من فعلةِ شفاهُك؟ لم أكن طفلةً… كنت نقيَّةً، ببراءةٍ صَنعُوا داخلها أن كلِّ شيءٍ جميلٍ هو «عيبٌ»!
و … حدث أنِّي، قبل أن أُبارحك بأعوامٍ من فراقك، طبعتُ عليك شيئاً من وداع. كنتُ على يقينٍ أنكَ لن تعود، ورغم ذلك، كنتُ فرحةً بعشقٍ حملتُه لك وحدك.
ومن يومِها أدرِك تماماً أنَّ الوقتَ يُسكرُ أحياناً … يسمحُ بالفرح، ويغضُّ طرفَه عن لحظاتِه.
كنتُ أُقامرُ بكلِّ شيءٍ من أجلِ ثوانيَ مغامرةٍ جنونيَّةٍ، تَهَبُني ابتسامةً تُعجبك!
يجب أن أُقفلَ هذا السطر، فهناك أحاديث تَخذلُني جُرأتي عن فضحِها، و… ربما لن تستطيع الكلمات إخراجها بعظمةِ إحساسي بها.
و… أمي ستقرأُني بعد قليل.
و ….
هذه الفكرةُ المجنونة تُعجبنِي ..
لماذا أُنكرُ جنوناً ينسبُونه لأفعالي؟
مجنونةٌ؟
إذن، لن تُعاقبُني نظراتُ أحد!
سأسرقُ منهم الحنوَّ، والأسى على مُصابي.
أشتهي رؤيةَ تحسِّرِهم على ذَهابِ عقلي، كدَعمٍ، أُجمِّل به خيبةَ أملي بتعمقِهم في ذاتِ العقلِ قبل ذهابِه.
أُخالف العادة، هذا ما تقتضِيه حالتي الجديدة.
أتركُ شعري مُسدلاً دون تمشيط، أحرِّرُ صوتي من خفوتِه، ذلك اللَّحن يحتاج إلى صوتٍ أعلى ..
أسبُّ بلادي، كي يُحمُّلوها وزرَ مصابي ..
أنامُ في الشارعِ، أجرِّبُ شعورَ أطفالٍ آلمَني عجزُ أحوالهم ..
مجنونة؟
إذن، يُمكِنُنِي نُطقُ اسمك، الحديث عنكَ علانيةً، فضحُ قلبيَ دونَ اكتراثٍ لخوفٍ ..
يُمكِنُنِي أن أجلسَ جِوارَ بيتكَ، أراقبُ ابتسامتَك حينَ تكشِف فِعلَةَ جنونٍ تدعمُها ملامحُك.
لا عليك .. أطعمنِي طعامك، لن يُعيب أحدٌ موضعَ أصابعك ..
رتّب خُصلات شعري، سيعلمُ الجميع أنِّي أستجدي رحمتك ..
لا تَخَفْ إن صرختُ :
«إنّي أُحبّك…»
شارك المقال