

بقلم: فريعابي محمد أحمد
مصور فوتوغرافي وكاتب صحفي
• يدهشك هذا الوطن المعطاء، فحوائه ما زالت ودوداً ولوداً، فكلما خبا نجمٌ بزغ غيره أكثر سطوعاً وتلألؤاً. في مجال الإبداع عموماً برع الكثيرون، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، والأمثلة كثيرة يضيق بها المكان. فرحل عنا من رحل، كلٌ ترك بصمته وذهب، وترجل من ترجل، فللعمر حكم. ولكن يضج المكان بالتصفيق والهتاف حين يظهر على شاشات الفنون اسم الفنان المبدع خالد حامد يوسف.

عبارة عن مجمع فنون يمشي على قدمين، فهو رسام ملون، شاعر، عازف، لاعب كرة، ومصور فوتوغرافي ضليع. يسير على ذات الطريق ولكن بتفردٍ فذ، استطاع أن يغير العبارة التي تقول «إن التصوير هو شعر أبكم» إلى أن «الشعر هو تصوير ناطق». فأصبحت الصورة عند خالد ناطقة. فاللون والضوء يترنحان أمام عدسة وفرشاة خالد.
وهو من الكوادر المنوط بها الارتقاء بهذا الفن، ولا سيما وهو مؤهل أكاديمياً وثقافياً. فقد صقلته كلية الفنون بعد أن جاءها بخلفية ثقافية قادمة من أم درمان، تحمل كل مفردات الإبداع والتميز، فأضيف هرمون الفن إلى تكوين جسده.

يتعامل مع شتى أدواته، والكاميرا أداة طيعة في يده، يتلاعب بها حيث يشاء. لا يختلط عليه الأمر، فهو حيناً باحث اجتماعي، وحيناً آخر سياسي، وتارةً كاريكاتيريست ذو قدرة فذة على التعبير. تعتقلك صوره بحضورها الطاغي اعتقالاً تحفظياً، لا تفرج عنك إلا لتعيدك مرة أخرى. وهو من القلائل الذين برعوا في تصوير البورتريه إلى حد المهارة واليسر، فقد كاد أن يمتلك ناصيته.
وفن البورتريه من الفنون التي تحتاج إلى حواس عالية، حتى يستطيع المصور أن ينفذ إلى كنه الشخصية التي يصورها، ولا يكتفي بالسطح فقط. أما خالد فقد كان أعمق تعبيراً، فنفذ إلى الحقيقة الجوهرية ولم يقف عند ظاهر الأشياء. فاستطاع مزج الإيقاع باللون والضوء، مما عبّر عن انفعالاته وأحاسيسه في صور سهلة وجميلة. ساعده في ذلك تمرس بصره، مما جعله يتلاعب باللون والضوء. فهو في حوار مع صورته لا ينتهي، مستخدماً كل الإمكانيات، مما يتيح لنا لوحة مترعة بالحركة والجمال، تظهر لنا اندماجه في محيط صورته، ويقدم لنا أطروحة تصويرية ذات أبعاد عميقة.

فشخصيات خالد لا تبعد عنا كثيراً، فهي بيننا. إن للكاميرا وللفرشاة لغتهما ووظيفتهما وإشاراتهما، فما تراه عين كاميرا أو فرشاة خالد من الصعب أن يراه غيره. فله من الأسلوب والتكتيك ما يطلق عليه أسلوب السهل الممتنع. فكاميرا وفرشاة خالد كباقي الأدوات، تنتهي بضغطةٍ خفيفة، ولكنها تستحيل إلى لوحاتٍ تنبض بالحركة والإثارة، تتراقص فيها الظلال والألوان والخطوط والمساحات، ثم تخلق عملية ألفة ومودة بين تلك العناصر، مما يكشف لنا بعض مراحل الصيرورة. فهو يقدم لوحات رسمت بعناية بعدسة كاميرا أو بضربات فرشاة.
فلخالد وعي بالفكرة ووعي بمهنية الفكرة، فهو لا يتوانى عن استخدام «المعيار» مع قدرته على النفاذ والتأثير على المتلقي.
فمن الأحق بتذوق «النص» عند خالد؟
(الجاهل / المثقف / المتعلم / المدني / القروي / المعاصر / الماضوي….الخ)!

الطبيعة تقول إن النص يتمحور في عدة صور لدى كل متلقٍ يهضم «ذائقته» بما لديه من خبرة وجودية، مع اعتبار أن يتفاعل كلٌ بالطريقة نفسها حين يتم نقلها إلى سياقات (اجتماعية / وجودية) مختلفة عن متنها الأصلي. ولهذا فإن النص البصري عند خالد لا يبلغ من «تعقيد أبجدي» ومفرداتي، فهو يخاطب كل طيف المجتمع، فهو نص متاح للجميع وليس نصاً صفوياً.
حدد «أرسطو» سابقاً شرط الذائقة الجمالية في «كشف الجوهر / كشف الماهية»، وهاتان قيمتان تتباينان وفقاً للـ«شوف». فخالد عبر لغةٍ ضوئية مختارةٍ بعناية… يتبنى موقفاً بمستوى عالٍ من الوعي الوظيفي للفنان.

خالد الإنسان كما عرفته:
غني بوجه طلق ونقاء الوارثين،
محياه يخلو من تضاريس الحزن،
وجوارحه ري للظمآن،
سريرته عنوان سرّه بين الناس صفاء وعفواً،
حديثه دواء،
وابتسامته كرم،
وعلى شفتيه نضرة.
شارك المقال