ثقوب في مرآة الذاكرة: حرب وحب وأشياء أخرى

76
منال بشير عباس

منال بشير عباس

• أهاتف أختي و أخواني  الذين رفضوا الخروج من السودان و تحديدا من مدينة ( أم درمان ) منذ بداية هذه الحرب اللعينة متى ما توفرت الخطوط و سخا الحظ فأبادرهم بالسؤال : كيف الحال ؟ 

يردون : نحن بخير

(و أنا أعلم أنهم ليسوا كذلك)

يسألوني : كيف الحال؟

ارد عليهم : أنا بخير

( و يعلمون أنني لست كذلك)

   أهاتف أختي التي إستقرت في إحدى الدول العربية هي و زوجها و صغارها ، بعد رحلة أهوال طويلة في قري و مدن عدة داخل و خارج السودان

أسألها : كيف الحال ؟ 

ترد : نحن بخير

( و أنا أعلم أنهم ليسوا كذلك)

تسألني : كيف الحال ؟

أجيبها : أنا بخير

(و هي تعلم أنني لست كذلك)

   أتصل بصغاري المقيمين في دول الصقيع و البرد و الوحدة العظيمة. أسألهم و قلبي يعرف الإجابة مسبقا : كيف الحال ؟

ترد على صغيرتي بصوتها الدافئ : أنا بخير ماما 

و يرد أخوها بضحكته البحر: كلو تمام يا ست الحبايب

( و أعلم أنهم ليسوا كذلك)

يسألوني : كيف الحال ؟ 

ارد عليهم – كل مرة – من بين سحابات دموعي : أنا بخير

( و يعلمون أنني لست كذلك)

   الحياة مستمرة ، لا تتوقف لحزن أحد و لا لفرح أحد و تحت زخات الرصاص و دوي الدانات و حفلات الموت المستمرة ، تنتهي حكايات و تزهر أخرى ، تولد قصائد و تموت أغنيات و الحنين يصلبنا جميعا على حافة الجرح و لا يصمت النزيف حتى مطلع الملح في حلوقنا أو عيوننا – لا فرق – فالعطش يسكنها منذ الأزل و النيل بعيد !!! 

في كل مرة يقولون : نحن بخير

في كل مرة أقول فيها : أنا بخير

أبكي و تضحك الحياة

أضحك و تبكي الحياة

   لا أهرب من العتمة و لا  أخشاها، اغوص فيها، أبحث فيها عن نقطة الضوء التي اشتهيها، ففيها التقيهم، ألتقيني. أعثر على قلبي المفقود و روحي (المشحتفة) منذ عقود. معا نهزم قبح هذا الواقع المرير، تحلق أرواحنا في اللامكان و اللازمان، تتعانق ، ثم تقول وداعا مرة أخرى في مفترق طرق يعيد كل منا إلى حيث شاء له القدر أن يكون في الوقت الحالي، لكننا دومآ نلتقي و لقاؤنا لا ينتهي 

   الحرب مستمرة و حكاياتنا مستمرة و الحياة مستمرة

. ( لسنا بخير ) لكننا أحياء و محاطون بالحب و القلوب الطيبة . ربما تكتب لنا النجاة من هذا الطوفان و ربما لا !!!! لكننا ما زلنا نقاوم الغرق و نلوح لنقطة الضوء التي تلوح في البعيد ، البعيد.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *