البراء بشير

البراء بشير

كاتب صحفي.

• أجمع أرباب العقول والنهى على أن طلب العلم يجب أن يكون تلقياً عن عالم ثقة، ولا يتأتى بمطالعة الكتب فقط وذلك في كل العلوم النافعة؛ قال الخطيب البغدادي: (من طالع الكتب لنفسه بدون معلم يسمى صَحُفياً ولا يسمى محدثاً، ومن قرأ القرآن لنفسه بدون معلم يسمى مُصحَفياً ولا يسمى قارئاً) .

وقد تلقى النبي – صلى الله عليه وسلم- القرآن من ربه عز وجل بواسطة أمين الوحي، قال عز من قائل (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) وعَلَّمَهُ النبي- صلى الله عليه وسلم – أصحابه، وهكذا إلى أن وصل لقراء اليوم تلقياً. وكذلك السنة المطهرة فقد تلقاها الصحابة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبلغوها للتابعين، وبلغها التابعون لتابعيهم، وهي منهجية متبعة إلى يوم الناس هذا؛ وكذلك العلوم الأخرى كعلوم اللغة والطب وغيرها. وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن يمارس أحد الطب دون علم، قال – صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تَطَبّبَ وَلا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ) أي يضمن ما أتلفه.

ولكن لا يخلو زمان من ظهور بعض المتعالمين، الذين يتصفحون الكتب ويحفظون منها شيئاً يسيراً، ثم يبدأ أحدهم بتطبيق ما حفظ على عامة الناس، ومن هؤلاء رجل ورد ذكره في بعض كتب الأدب يقال له (توما الحكيم) أي الطبيب. وقيل إنه كان لا يعلم من الطب إلا اسمه، ولكنه يخفي نقائصه بمطالعة الكتب التي ورثها عن والده – فقد كان والده طبيباً – ثم يطبب الناس بناءً على ما قرأ، وقد وقعت منه كوارث وطوام جراء ذلك.

رُوي أنه وقع التصحيف في بعض الكتب التي ورثها توما الحكيم عن والده، فكان يقرأ (الحية السوداء شفاء من كل داء) بدلاً عن (الحبة السوداء شفاء من كل داء)، فكان يأتي بالأفاعي السود ليداوي بها الناس، فمات بسببه خلق كثير. وقيل إنه هو نفسه مات لاحقاً بسبب حية سوداء لدغته حين أراد الإمساك بها. 

أفعال الرجل الطائشة جعلت منه مدعاة للسخرية، ومضرب مثل في الجهل، قال أحد الشعراء:

قال حمار الحكيم توما 

لو أنصفوني لكنت أركب

فأنا جاهل بسيط 

وصاحبي جاهل مركب 

لم يكتف توما الحكيم بممارسة الطب، بل كانت له آراء فقهية عجب الناس منها كعجبهم من جرأته في طرحها، فقد حث الناس على التصدق ببناتهم لغير المتزوجين أي إعفاؤهم من المهر، وذكرت هذه الفتوى في الأبيات التي كان يرددها أبو حيان النحوي:

يظن الغمر أن الكتب تهدي

أخا فهم لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأن فيها

غوامض حيرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ

ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس الأمور عليك حتى

تكون أضل من توما الحكيم

تصدق بالبنات على رجالٍ

يريد بذاك جنات النعيم

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *