تنوع حيوي وبيئي متفرد: المحميات الطبيعية سياج التنمية المستدامة

65
pic01
Picture of إعداد: م. معتصم تاج السر

إعداد: م. معتصم تاج السر

عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر

بقلم : الفريق شرطة/ محمد السراج فضل الله مكي

• منذ النشأة الأولى درجت البشرية على التهام مكونات الأنواع، وازداد ذلك بتقدم معارف استخدام الآليات الحجرية للحصول عليها بكل سهولة ويسر. ازداد ذلك بمرور الزمن مع دخول مسألة هواية رياضة القنص، وإزالة الغطاء النباتي لغرض الزراعة، الرعي، الطهي، وتشييد المباني… إلخ.

عقب ذلك، انتبه البعض لضرورة صون الموارد الطبيعية، فسُنّت القوانين للحد من ذلك في كافة مناطق كثافة الموارد الطبيعية.

تلك القوانين لم تنجح في كبح جماح هدر تلك الموارد، على الرغم من تصعيد العقوبات.

فكّر الخبراء في تركيز الحماية في مناطق ذات ثراء بتنوعها الحيوي على ما سواها من المناطق، وأُدرجت مناطق باعتبارها غابات محجوزة أو حِمى مراعي أو حظائر قومية (لاحقًا سُمّيت بمحميات طبيعية).

كانت محمية «يلوستون» أول محمية طبيعية أُنشئت في العام 1876م بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم توالى إنشاء المحميات بكل بقاع العالم.

لقد استمعتُ لخبيرة توعية بيئية في مؤتمر بموزمبيق تقول إن أول محمية طبيعية مؤقتة وردت في قصة سيدنا نوح عليه السلام، وتقول إنها وردت في كل الكتب السماوية، حيث حُمِل من كل نوع زوجان من كل كائن حي، وهو ما ورد بالقرآن:

(يقول الله سبحانه وتعالى: «حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كلٍ زوجين اثنين…» الآية)

وترى أن علينا إقناع المؤمنين بأن حماية الأنواع مسؤولية دينية.

 ما هي المحمية:

هي مساحة من الأرض تتميز بثراء تنوعها الحيوي والبيئي، أو بوجود نوع أو أكثر من الأنواع المهددة بالانقراض، أو الأنواع التي تم إعادة توطينها، أو وجود قيم جمالية بسبب غطائها النباتي أو تكويناتها الجيولوجية، ومسطحاتها المائية ذات المناظر الطبيعية الساحرة، أو ذات أهمية ثقافية وتراثية وتاريخية تتطلب حفظها لمصلحة الأجيال القادمة.

أنواع المحميات:

1. محمية قومية:

يتم حجزها وإعلانها كمحمية قومية لما تدخره من تنوع حيوي وبيئي، وذات مرجعية هامة من الموارد الوراثية الوطنية على مستوى القُطر، ويُحظر فيها أي نشاط بشري يهدر أو يستغل مواردها الطبيعية.

ويسمح فيها بسياحة المشاهدة والتصوير، كما تمثل مركزًا بحثيًا لكافة الموارد الطبيعية والنظم البيئية، وتُعد كذلك مركزًا لنشاط الجمعيات والنشطاء البيئيين، فضلًا عن كونها ملهمة ومحفزة للشعراء والأدباء للإنتاج الأدبي والشعري.

2. محمية محيط حيوي:

في إطار مشروع «الإنسان والمحيط الحيوي» الذي تتبناه اليونسكو، فإن هذا النوع من المحميات يعتني بالمجتمعات التي تقطن في أو حول تلك المحمية، بحيث يتم من خلال الخطة الإدارية صون المحمية مع ضمان انتفاع تلك المجتمعات من خدماتها.

وفي هذه الحالة، تُقسم المحمية إلى ثلاث نطاقات:

النطاق الأساسي (Core Zone): 

وهو الأكثر ثراءً حيويًا وبيئيًا، ويُحظر فيه أي نشاط بشري.

النطاق الانتقالي: 

يحتوي على موارد لا بأس بها، ويُحظر فيه كل الأنشطة البشرية في استغلال الموارد، باستثناء تلك التي لا تؤثر على المحمية مثل جمع الثمار وساقط الحطب من الأشجار والرعي المنظم، ويكون لصالح المجتمعات حول المحمية.

النطاق العازل: 

يُسمح فيه بكافة الأنشطة البشرية غير المدمرة للبيئة ولصالح المجتمعات المحلية ذاتها.

3. محمية الأراضي الرطبة:

هي الأراضي المنخفضة التي تغمرها المياه كل أو معظم العام، سواء كانت مياه عذبة أو مالحة، وتتميز بثرائها الحيوي مع وجود نشاط للمجتمعات حولها.

وتقوم إدارتها على حسن الاستغلال المستدام لمواردها بواسطة المجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة.

4. محمية ثقافية أو تراثية:

تتميز بوجود آثار تاريخية بها، أو بوجود مجتمعات ذات تراث مميز يُخشى عليه من الاندثار.

ويجوز في مثل هذه المحميات أن تشتمل على تراث طبيعي يتشكل من أعداد من الحيوانات البرية أو التشكيلات النباتية ذات القيم الجمالية.

5. منطقة محمية للطيور:

تمثل مراكز تجمع وملاذًا للطيور، أو محطة عبور للطيور المائية المهاجرة.

ويجوز استغلالها بعد المسح الدوري ووفقًا لنظام حصص الصيد السنوية.

6. المنطقة المحجوزة:

تُحجز لأغراض تنظيم الصيد من خلال حصص الصيد السنوية التي تُحدد وفق نتائج المسح الدوري وبما يتماشى مع مفهوم الاستغلال المستدام.

7. محمية عابرة للحدود:

نظرًا لأن كثيرًا من النظم البيئية تمتد عبر الدول، فقد دعت الحاجة إلى أن تعلن الدولتان المتجاورتان منطقة ممتدة كمحمية عابرة للحدود الوطنية، تُدار باتفاق بين الدولتين وفق خطة إدارية محددة.

8. محمية تراث عالمي:

تعتمدها منظمة اليونسكو باعتبارها ذات أهمية في حفظ التراث الطبيعي أو الثقافي بالمنطقة، ولها دور إيجابي في رفاهية المجتمعات المحلية، وتحظى بالدعم الدولي من اليونسكو.

الخطة الإدارية للمحمية:

تضع إدارة كل محمية خطة إدارية لفترة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، تحتوي على مناشط تختص بصون موارد المحمية الطبيعية، وإجراء المسوحات للأنواع وصحة النظم البيئية، والبحوث العلمية ذات الصلة، وتوعية المجتمعات بأهمية المحمية وإشراكهم في الحماية والمنافع.

هذه الخطة تختلف من محمية إلى أخرى حسب نوعها، وموقعها المناخي، وحجم المهددات، ومساحتها، وأهداف إنشائها.

أهم أنشطة الخطة الإدارية:

1. مكافحة الصيد وضبط المخالفين ومحاكمتهم.

2. منع أنشطة الزراعة والرعي وإزالة الغطاء النباتي والتنقيب وحفر التربة أو جرفها وتخريب وتعويق مجاري المياه وتلويثها حسب أهداف كل محمية.

3. منع تلويث مياه المحميات البحرية والأراضي الرطبة بواسطة السفن الناقلة للنفط والمواد الكيميائية، وإزالتها عند حدوث ذلك.

4. إجراء المسوحات والإحصاء الدوري للأنواع، ومراجعة النظم البيئية وتحديد مدى التحسن أو التدهور، ومعالجتها.

5. تعديل النطاقات المختلفة لكل محمية وفق ما توصلت إليه المسوحات.

6. وضع وتنفيذ خطة التوعية والتعليم البيئي لكل فئة مستهدفة.

7. تضمين خطة تتعلق بالسياحة البيئية ودورها في تحسين اقتصاديات المنطقة والمجتمعات المحلية.

8. فتح الطرق وخطوط النار لأغراض مكافحة النيران بمحميات أقاليم السافنا، وإعادة نثر بذور المراعي والنباتات البرية التي أثبتت المسوحات تناقصها.

تُراجع الخطة سنويًا لمواكبة المتغيرات البيئية.

المحميات الطبيعية في السودان:

محميات الإقليم الصحراوي وشبه الصحراوي:

جبال الحسانية (نهر النيل)، وادي هور (ولايات شمال دارفور، شمال كردفان، الشمالية)، الغزالة (الشمالية).

المحميات البحرية:

سُنقنيب، خليج دنقناب، جزيرة مكوار (ولاية البحر الأحمر). اعتُبرت مواقع تراث طبيعي عالمي من اليونسكو.

محميات إقليم السافنا الفقيرة:

الدندر (محمية محيط حيوي – ولايات سنار، النيل الأزرق، القضارف)، جبل الدائر (شمال كردفان)، تايا (القضارف).

محميات إقليم السافنا الغنية:

محمية الردوم (جنوب دارفور).

محميات مقترحة:

محمية جزر الكاسنجر وهي محمية مناظر طبيعية اخاذة لما تحويه من غطاء نباتي تحفه المياه انتشار صخري ذات تكوينات جيولوجية  ملفتة للانظار وهي تقع بالولاية الشمالية.

محمية جبل مرة :-

بها تنوع حيوي وبيئي متفرد اضافة الي مناظر ساحرة لشلالات المياه المتدفقة من اعلي قمم الجبال الي بحيرات متعددة وجاذبة اضافة الي وجود اشكلل مختلفة من التكوينات الجيولوجية ذات القيم الجمالية فضلا عن تميز اهلها بتراث عريق يجعل هؤلاء الشعوب جزء من المحمية المقترحة وتعتبر محمية محيط حيوي.

 محمية الدندر (السودان) وخور العطيش (اثيوبيا) العابرة وهي مقترح لمحمية عابرة للحدود الوطنية لكلا السودان واثيوبيا فقد اجيز من الطرفين علي المستوي الفني للقطرين ولم يكتمل بسبب التوترات السياسية بينهما.

محمية اراضي رطبة بخور ابوحبل.

محمية جبل عوينات العابرة بين دول السودان ومصر وليبيا  .

محمية وادي العلاقي العابرة بين السودان ومصر وقد تم واد المقترح بعد ضم مصر لمثلث حلايب شلاتين ابورماد واصبح وادي العلاقي ضمن الاراضي المصرية كليا.

مقترح مد محمية وادي هور الي الحدود السودانية التشادية لتلتقي بمحمية اندي التشادية لتمثلان محمية عابرة للحدود الوطنية بين الدولتين وذلك بغية الحفاظ علي ابوحراب بيسا والريل والادمي التي انقرضت منذ نهاية سبعينيات القرن المنصرم وقد تمكنت تشاد من اعادة توطينه وتلك الحيوانات تهاجر عبر النظم البيئية الممتدة بين الدولتين مما يتطلب وجود حماية اكثر خاصة من جانب السودان بذيادة محمية وادي هور غربا لتلتقي بمحمية اندي التشادية كان هذا المقترح تعطل بسبب الحرب الاهلية بدارفور في العام 2003م.

التحديات التي تواجه المحميات السودانية:

1. إزالة الغطاء النباتي لأغراض الزراعة الآلية والرعي والاحتطاب.

2. الصراعات الأهلية والقبلية، وما يصحبها من نزوح مجتمعات فقيرة إلى المحميات، مما يؤدي إلى استنزاف مواردها.

3. ضعف النشاط السياحي بالمحميات.

4. ضعف الوعي بأهمية المحميات ودورها في الحفاظ على الموارد الوراثية الوطنية.

5. التغيرات المناخية وتأثيرها على موارد المحميات.

6. تعقيدات تعديل القانون لاستيعاب كافة أنواع المحميات.

الخاتمة:

يمكن للمحميات أن تلعب دورًا متعاظمًا في تركيز الحماية للموارد الطبيعية السودانية، وتقود إلى تخفيض معدل الفقر إذا ما وجدت اهتمام الدولة والمجتمع.

نسأل الله للبلاد الأمن والرفاه والتطور.

كلمة الإعداد:- الوعد والمُنى :

إننا في حركة السودان الأخضر نؤمن بأن حماية التنوع الحيوي ليست رفاهية بيئية بل هي ضرورة تنموية وإنسانية وأخلاقية تحفظ السودان لأجياله القادمة وتؤسس لغد أخضر يزدهر فيه الإنسان في انسجام مع الطبيعة.

وعدُنا أن نظل ندعو للتغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر.

سوف نظل ندعو لحماية المحميات الطبيعية ونصون مواردها ونُعلي من شأنها كحاضنات للتنوع ومنصات للوعي ومشاعل للتنمية المستدامة.

وكلنا مُنى أن تصبح المحميات مدارس مفتوحة للعلم والمعرفة، وواحات أمان للأحياء البرية، ومقاصد سياحية وتنموية تُنعش المجتمعات المحلية وأن نُسهم جميعاً ( كلٌ من موقعه ) في تحويل السودان إلى خريطة خضراء نابضة بالحياة تُلهم العالم وتحفظ حق الوطن في التميّز البيئي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *