
عماد أبوشامة
كاتب صحفي
• يعجبني جداً وصف منصور خالد للنخب السياسية بإدمان الفشل.. فقد أثبتت كل الحقب أنه إدمان لا فكاك منه.. لكن الفشل ليس قاصراً على القيادات السياسية.. فقد تعداه إلى القيادات الإدارية لدينا.. والتي جعلت لهذا الفشل عربة نجدة تفسح له الطريق وتقوده بإصرار إلى غاياته المرجوة في أن يظل هذا البلد يئن تحت وطأة التخلف لا يغادرها قيد أنملة. وهذه القيادات ومؤسساتها لا تعرف صناعة الحلول الدائمة والناجعة، فتعيش بالسنين العجاف في حلول يفترض أنها طارئة ووقتية، فتجعل منها نظاماً دائماً للحياة، فيتحول مع الزمان إلى حالة إدمان لا يرجو ولا يتمنى مريضه العلاج منه.
* فليس هناك أسوأ حالاً من أن تبتدع إدارة المرور السريع نظام التفويج في الأعياد، لتصطف مئات آلالاف من البصات والحافلات خلف عربة نجدة تقودها كالأعمى إلى مئات الكيلو مترات بطريقة أقل ما توصف أنها إمعان في الغباء.
* الأسوأ من ذلك أن يستمر هذا النظام نحو عقدين من الزمان دون أن تفكر إدارة المرور في وسيلة أخرى أكثر أمانة وديمومة لنظام المحافطة على أرواح المواطنين المزعومة تلك الأسطوانة المشروخة.
* أتمنى أن تتفضل علينا إدارة المرور بقليل من الشفافية، وتكشف لنا الميزانيات المرصودة مع كل عيد لهذا النظام الكسيح.. ونحن واثقون أن ربع هذه الميزانية كان بالإمكان أن يقيم نظاماً إلكترونياً ناجعاً أكثر فائدة وفعالية من نظام التفويج هذا، وهناك مليون طريقة لذلك، أكثرها تكلفة توزيع أجهزة رادار ومراقبة على طول الطريق، مع تشديد القوانين لتكون رادعة جداً، بعيدة عن نظام الغرامات الذي يستهدف الجباية في الأساس وليس معالجة المشكلة..
بالضرورة يجب أن يفهم أنه ليس مطلوباً من إدارة المرور أن توقف الحوادث، لأنه أمر مربوط بتصاريف الأقدار في المقام الأول، ثم بعد ذلك يأتي توازن الكون والحياة ومعدلات البقاء والوجود في البشرية، وهو أمر تقديره رباني بعد ازدياد معدلات المواليد بشكل خرافي، فبمثل أن الشرطة ومباحثها – وهنا نسجل لها صوت إشادة – ليس مطلوب منها أن توقف الجرائم، ولكنها سريعة في كشف الجناة وتقديمهم للمحاكمة، كذلك مطلوب فقط من إدارة المرور أن تردع الذين يقودون باستهتار وإهمال، حتى وإن لم يتسببوا في حوادث لحظتها، عن طريق الرصد الإلكتروني لهذا السلوك، وهو سهل وميسور، وأقل تكلفة من نظام التفويج هذا.
* السعودية والإمارات والأردن والجزائر ومصر ودول كثيرة تتمتع بشوارع بمواصفات عالية، لكنها كلها لم تبتدع يوماً نظاماً كنظام التفويج هذآ لتقلل من نسبة الحوادث.
* وإذا نظرت إلى الأضرار الناجمة من نظام الطوف هذا، فستجد كل الأطراف خاسرة حد الخسارة.. بالنسبة للمواطن أو الراكب فرحلة ساعتين تمتد إلى نهار بأكمله، ورحلة نهار تمتد إلى يومين، فيتحول السفر بهذه الطريقة ليس إلى قطعة من نار جهنم، بل إلى الحجيم
نفسه..
ويمتد الضرر والخسائر إلى أصحاب البصات التي تتقلص رحلاتها إلى أدنى درجاتها، ويصيب الإرهاق السائقين ومن يعملون معهم، حتى إن أغلبهم أصبح حريصاً على أخذ إجازته مع الأعياد ومواسم التفويج..
* ويمتد الأمر إلى رجال المرور أنفسهم، الذين يجدون أنفسهم في سفر دائم بدلاً عن العمل في الارتكازات التي تعودوا عليها.
* أيها السادة قادة المرور في هذه البلاد، أعيدوا النظر في هذا النظام العقيم- يرحمكم الله-، فالحوادث لن تتوقف، والآجال لن تتغير ولن تتبدل.
شارك المقال