
طارق فضل ناصر - القاهرة
مقهي رووقة
• الأصوات تتعالي شاي كشري للاسمراني حبيبنا اللي جاي من امدرمان وحبيبنا من السودان..
شيشه لابن البلد ابو سمرة..
اهلا بحبايبنا اولاد النيل ..
اجدع ناس همه اهل القمه و العمه..
ويعلوا الهتاف بعد ان احرز محمود عبدالمنعم كهرباء الهدف الثاني في مرمي الوداد المغربي
الله حي والتالت جاي..
هذه الصورة عندما جلسنا ومعي أصدقاء مصريين وسودانيين فيهم من اعرفهم ومن لا اعرفهم …
خلطة جميلة حضرت بعفوية في قهوة رووقه لمشاهدة مباراة الذهاب بين الاهلي المصري فريق القرن والوداد المغربي في نهائي كأس ابطال افريقيا….
بين هذا التجاذب العاطفي والحسي اجد نفسي مجبرا لإطلاق العنان لنفسي مجبرا لكي تعبر عن وجودها في هذا الكيان و المجتمع الجميل…..
انسابت من عيوني دمعات حارقة رغم لطافة الجو وانا أعود بمخيلتي الي يوم الفرار من بلدي الحبيب من وطني ومن بيتي عند الفجر وانا علي عجل مع اسرتي في خوف الي مرحلة عجيبة..
عالم المجهول الذي دفعني له اهلي وأهل بلدي الذين كنت احسبهم عزوتي وحميتي ونفردون ذنب جنيناه الا اننا سودانيين نحب البلد..
يلا بسرعة يا بنات يا اولاد اركبوا قبل الشمس ما تطلع يوصحوا الجماعه وتتعقد الامور..
بقدر الامكان حاولنا نأمن المنزل وطبعا الامان امان الله وتركناه في رعاية الله وحفظه…
وحتي كلبي الوفي روي وحارسنا الامين كان يهزز ذيله كأنه يودعنا وهو أيضا لا يعرف مصيره تركناه في قارعة الطريق وكان في وداعنا ولم يكن يعرف اننا سنتركه حرا في عالم المجهول..
بناتي واولادي كانت أعينهم معروفه بالدموع وهم يفارقون منزلهم وحيهم وجيرانهم دون وداع حار حيث كان الفرار قبل طلوع الشمس..
بحافله صغيرة
وصلنا موقف الاتوبيسات قندهار كان السوق المزدحم نعمه الضوضاء ويعمل بشكل عادي كأنه خارج العاصمه وهنالك زحام علي الاتوبيسات المتجهة الي العديد من المدن خصوصا حلفا( حلفا دغيم ولا باريس)
بحمد الله وصلنا قاهرة المعز وكانت الرحله المضنية ورحلة العذاب و كانت في الماضي رحلة شهر العسل للعرسان وسياحة وأجازة سعيدة للشباب….
خمس ايام بلياليها من امدرمان الي القاهرة
يوم للوصول الي حلفا ثم معبر قسطل بلاتوبيس وجدنا أنفسنا في مفارقات غريبه من المشقه والعنت منها ما كان اجباريا…..
من السفر المتعب ان تجلس في مقعد اكثر من السادسة صباحا الي الساعه الثامنه مساء من امدرمان الي محطة الملتقي للافطار ثم الي حلفا و تنزل في حلفا انت واسرتك وعفشك في وسط زحام المدينة بين كل المنتظرين وتجد نفسك بلا مأوي في الشارع وعليك ان تبحث عن مكان آمن لك ولاسرتك حتي الصباح لان كل الفنادق وحتي المساجد لا يوجد بها موطيء قدم من عدد زحام الفارين.
وفي الصباح كانت معركة تجديد الجوازات المنتهيه و معركة من ليس لهم جوازات وكان عليهم إصدار وثائق سفر اضطراريه واخرين من الشباب ما فوق السته عشر الي التاسع والأربعين ربيعا كان عليهم ان يأخذوا تأشيرة الدخول لمصر من القنصلية وهنالك زحام وانتظار قد يدوم اكثر من شهر..
تركنا اولادنا الشباب ينتظرون لنيل تأشيرة دخول مصر..
ودعناهم بالدمع السخين في رعاية الله وحفظه علي ان نلتقي بهم في قاهرة المعز وحتي هذه اللحظة لايزالون هناك مع المصير الغايب والحلم للعبور……
في معبر الجوازات المصريه
وجدنا العناية الكاملة والمعامله الكريمه من العاملين في معبر جوازات مصر حيث قدموا لنا وجبات متكاملة وعناية طبية لمن يحتاج وتم التأشير لنا بدخول مصر وودعونا بكل حفاوة
التي عكست حبهم لاهل السودان ويعكس حب اهل مصر لوطنهم مصر ام الدنيا بأنهم اصحاب تربية وطنية وحبهم لنا بصدق وترحابهم بعفوية وأخوة اولاد النيل .
بالقطار وصلنا قاهرة المعز في عزة وامان..
شتان مابين وطن تهرب منه وملجا تنزح اليه..
اهلي وأهل بلدي يدفعونك الي الفرار و الناس هنا يغدقون عليك العطف والحنان والكرم..
التالت جاي يا عبد الحي اعادني الهتاف الي واقعي قهوة رووقه وفرحة أحبتي المصريين مجتمعين بالاهلي أجبروني ان اهتف معهم بحب …..
التالت جاي يا عبد الحي.
من وسط هذا الهتاف ورائحة مباني عين شمس و من حولي رائحة المعسل ودخان الشيشة ومناداة القهوجي شاي بالنعناع للاسمراني …
عدت الي خمسينيات القرن الماضي الي منزلنا الحكومي في القيقر الجنوبي خلف سلاح المدفعية بعطبرة في صباح باكر وعمري خمس سنوات اجلس في حجر والدي وانظر باندهاش الراديو القروندنق وينطلق صوت العرب بصوت نجوي ابو النجا وهي تقول صوت العرب من القاهرة…
كنا نستمع الي اذاعة صوت العرب وكان صوت الامه العربية قبل ان نستمع الي راديو امدرمان..
لان اذاعة صوت العرب كانت تبدأ فجرا واذاعة امدرمان كانت تبدأ في السادسة صباحا وهذا طبعنا ديما متأخرين..
اذاعه صوت العرب كانت لسان حال الامه العربية وصوت النضال والتحرر والثقافه والفن والقرآن والملتقي لكل العرب من المحيط الي الخليج..
الطبلاوي وآيات من القران الحكيم..
وعبدالله السعيد وأقوال من خطاب عبدالناصر
عبدو الحمولي وأناشيد دينيه واسمهان وام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الاطرش والثلاثي المرح في اجمل الاغاني..
ومحمود شكوكو ومنلوج اضحك مع الدنيا…
كورة مع مصطفي رياض والمحلاوي والفناجيلي ومحمود عبدالحي كورة الرياضه
وفي العصر كنا نستمع لركن السودان وكنا نسمع الحديث الطيب عن جنوب الوادي والاغاني احمد المصطفي في اسطوانة أهواك يا ملاك هواك ملكني وملكني وجنني..
ونستمتع الي الممثل العظيم السر قدور في يوميات اضحك مع المسرح السوداني..
والكثير من البرامج السودانية من إذاعة مخصصة من مصر للسودان تعكس محبة اهل شمال الوادي لجنوب الوادي حب فطري بلا رياء ..
ومن صوت العرب في رمضان بعد الافطار يااتينا طاهر ابوفاشا
بمسلسل رمضان الف ليلة وليلة..
وصوت سناء جميل وهي تقول :
بالغني ايها الملك الرشيد
ذي الحكم المجيد ان الملك شهريار جلس بين يدي شهريار وهي في الليلة السادسة بعد المائةلتحكي ولكنها سكتت عن الكلام المباح بعد ان طلعت شمس الصباح…
عشنا حياتنا ونحن نأخذ من معين اهلنا المصريين دينا وسياسة وعلما وثقافة وفنا ورياضة ولكن شيء عظيم لم نتعلمه منهم هو حب الوطن الحب الدايم علي مدي الازمان.
رغم المحن التي مرت بمصر الا انها زادت شعبها حبا ووحدة مسلمين علي مسيحيين بل امتدة هذا الحب ليشمل اهلهم في جنوب الوادي بكل إخلاص والدليل اننا بينهم الان في رحابهم.
عند بناء السد العالي كنا لهم سند لتحقيق الامن المائي وتوفير الطاقة والكهرباء لتنمية مصر وضحينا بالتخلي من جزء عزيز علينا من وطننا (حلفا) من أجل الوحدة العربية والتكامل الاقتصادي المشترك….
في حرب ٦٧ كنا عمق استراتيجي لهم..
وطول التاريخ الطويل سنكون لهم مصدر الامن الغذائي ..
بل اكثر من ذلك سنكون الامن والامان لهم علي مدي الزمان…
اكثر من خمسون عاما ونحن في دولتنا السودان نتقاتل ونتحارب ونختلف ولا نعرف معني الوطن ولم نتعلم حب الوطن وحتي الان يتم تشيع الوطن الي مثواه الأخير بكل انانيه ودون خوف من الله…
الله حي يا عبد الحي والتالت جاي
علي هذا الهتاف عدت الي حاضرى وتزكرت اني هارب من بلدي الي عالم اخر قد يكون مجهولا دون ملامح الي الابد…..
ياولدي قد مات شهيدا ياولدي
من مات فداءا للمحبوب…
لك الله يا بلدي.. .
هل من عودة ومتي العودة الله اعلم..
أدعوكم جميعا ان
نسأل الله ان يحفظ السودان واهله…
شارك المقال