
حسن محمد عبدالله
كاتب صحفي
• إن من أعظم التحديات التي يمكن أن تجابه مسار حياتنا اليومية في هذه المرحلة الانتقالية، مرحلة ما بعد الحرب مباشرة، والعودة إلى النظام وإلى الدولة.
ويتمثل ذلك في هشاشة النظام الإداري للدولة، وضخامة الاحتياجات الآنية،
لتأثير مجريات الحرب عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة، مما نتج عنه عدم اكتمال نشاط أجهزتها المختلفة، وكذلك عدم اكتمال دورتها التراتبية.
فالهيكل الإداري لكل مؤسسة يعاني من ثغرة موظف غائب لم يصل، أو مكتب فُقدت محتوياته، وضاعت وثائقه. مع الحاجة الملحّة والمتصاعدة لدور هذه المؤسسة في الحلقة الإدارية للتكامل المؤسسي العام، والذي يعطي للدولة كيانها، ولدولاب العمل اليومي معناه.
هذا الوضع يتطلب التفكير خارج الصندوق باستمرار، وإتقان التعامل بالأهم دوماً، وتقمص ومعايشة حالة الطوارئ في كل زوايا ومناحي الحراك اليومي لكل أفراد المجتمع.
ففي الوقت الذي يتفقد فيه رأس الدولة مؤسسة حيوية مثل مصفاة الخرطوم، ويكون ذلك متزامناً مع وصول متحرك الصياد إلى الأبيض، واسترداد مدينة القطينة برمزيتها من الدعم السريع، لا يسقط ذلك من أهمية مواصلة الترتيبات نحو إعادة دورة التعليم العام إلى جميع بقاع السودان، وإن صناعة مستقبل هذا الوطن تقوم عليه، وأينما بلغت برامج الطوارئ، فإن هامش الوفاء للتعليم بضرورته يجب ألا يغيب عن بال القيادة.
ولو لم يكن للمعلم رصاصة يلفت بها الانتباه لحقوقه، فإن إيصاله لمرحلة التفكير في معاشه، وكيفية الوفاء بالتزاماته الأسرية الأساسية، فإن في ذلك إلغاء متعمداً
ومقصوداً لدور المعلم في المجتمع، وقتلاً للدولة والمجتمع على المدى البعيد.
فإن وقفت مع وزير المالية، وكذلك السيد رئيس مجلس السيادة منبهاً إلى أهمية أن ينال المعلم 50% من جملة رواتبه المعلقة حتى الآن، وبأية وسيلة أو صورة، ولو من خلال القروض من الخارج. لأن الاستثمار الجاد في المستقبل، والوصول إلى التغيير المنشود والريادة لن يتم بدون دور فاعل للمعلم، ولن نصل إلى ذلك الدور من دون زراعة ذلك الإحساس بداخل كل معلم، وذلك لن يتم إلا باهتمامنا الحقيقي بدوره ورسالته.
من المؤكد أننا في حوجة إلى تغيير أسلوب تفكيرنا، وكذلك رؤيتنا للأولويات، هذه الرؤية المتوارثة من حقبة ما قبل الاستقلال إلى الآن.
والتي قد يكون عنوانها: مزاجية صاحب الشأن، أو القائم على الأمر، ويلعب رضاه عن الفكرة وكذلك رضا من حوله دوراً أساسياً في كتابة الحياة للفكرة أو تبنّيها، بغض النظر عن ضرورتها القصوى وليس أهميتها فقط.
فالتخطيط لكل أمر مهم يعبر مراحل مختلفة في حياة المشروع متسقاً مع أهميته في الظروف العادية المعلومة عند أهل التخطيط، إلا ذلك الذي يتعلق بمزاجية المسؤول الأول لا سمح الله. فلذلك ولسنين خلون، وربما أُخر قادمات، فإننا -كما أرى- لن نغادر أرض التيه هذه، ما دمنا نفكر بالمزاج، ومرجعيتنا للقضايا المحورية تتأثر بعوامل المزاجية والاستلطاف.
وإلى أن يحين ذلك الحين، الذي تزول فيه هذه الأمراض الناعمة القاتلة، وغير محسوسة السريان، فإننا لن نفارق (الحش بالدقينة).
والله من وراء القصد.
شارك المقال