بشير عباس… إلى أي فئةٍ ينتمي

17
bashir01
Picture of بقلم: د. كمال يوسف علي

بقلم: د. كمال يوسف علي

• ما نستمع إليه من موسيقى تنتجه فئات عديدة من الموسيقيين، حتى لو كان ذلك على مستوى العمل الواحد، فهناك فئة المؤديين، وهي أكبر الفئات عدداً، حيث تضم العازفين على مختلف أنواع الآلات، وتضم المغنيين سواء كانوا المطربين الأساسيين أو المغنيين المصاحبين الذين يساندون المغني الرئيس بالترديد أو التبادل والتجاوب مع أدائه، وبذلك يندرج كل مغنيينا في السودان في هذه الفئة، وبما أنها تضم العازفين فهي بذلك تصبح الفئة الأكثر عدداً باعتبار الأعداد التي تصاحب المغني عادةً، ولدينا في السودان قائمة طويلة من الأسماء في هذه الفئة من لدن عازف الكمان السِر عبد الله ومن تلاه من أمثال بدر التهامي، حسن الخوّاض، علاء الدين حمزة، عبد الله عربي، محمد عبد الله محمدية، ومن تلاهم من أجيال ممن درسوا وتخرجوا في معهد الموسيقى وغيرهم، ومن عازفي العود أمثال بشير عمر (الشباب)، برعي محمد دفع الله، بشير عباس، عوض أحمودي وغيرهم، كذلك مختلف الآلات مثل الأكورديون وآلات النفخ الخشبية والنحاسية والآلات الإيقاعية والتي برزت أسماء لامعة في كلٍ منها.

ونجد أن من المطربين من أجاد العزف على العُود فانضم لهذه الفئة بسهمين؛ سهم المغني وسهم العازف، لكن هناك من المطربين من اقتصر أداؤه على الغناء مثل إبراهيم الكاشف. تلي ذلك فئة المؤلفين، صانعوا الألحان والمحركين الأساسيين لعملية الإنتاج الموسيقي والمبتكرين للصيغ والأفكار النامية والمتجددة، سواءٍ بما يستلهمونه من تراث، أو ما يصيغون من نصوصٍ موسيقية موازية لما يضعون ألحانه من نصوصٍ أدبية، أو تجود به قرائحهم من موسيقى بحتة مثل مقدمات الأغنيات، أو ما تتضمنه من لازمات وجُمل تربط أجزاء اللحن أو تُعبّرُ تعبيراً مجرداً عن بعض معاني النص الأدبي، وقائمة هؤلاء طويلة تعود إلى خليل فرح وعبد الكريم عبد الله مختار كرومة، وتمتد عبر عبد الرحمن الريّح، برعي محمد دفع الله، بشير عباس، عبد اللطيف خضر، حسن بابكر، سيف عبد القادر، عمر الشاعر وغيرهم كُثر، هذا بالإضافة إلى انتماء عدد كبير من المطربين إلى هذه الفئة، إذ لم يكتفوا بدور المؤدي ومن هؤلاء إبراهيم الكاشف، أحمد المصطفى، التاج مصطفى، عثمان حسين، محمد وردي، عبد الكريم الكابلي، محمد الأمين، أبو عركي البخيت وقائمة طويلة تضاف إليهم، لكن وبالرجوع إلى من اقتصر دورهم على التأليف فقط في هذه الفئة، أي لم يكونوا مغنيين مثل عبد الرحمن الريح وبرعي محمد دفع الله، فسنجد فيهم من برع في العزف مثل برعي محمد دفع الله وبشير عباس اللذان يُشهد لهما ببراعةٍ فائقة العزف على العُود، أو عبد اللطيف خضر في العزف على الأكورديون، وهنا يمكننا أن نُصنّف فئة هي فئة المؤلف العازف الذي انضم إلى فئة المؤديين بذات الجدارة التي أهلته لأن يكون ضمن فئة المؤلفين، وبشير عباس مثال جيد لهذه الفئة، فهو إلى جانب الدور الذي اشترك فيه مع برعي محمد دفع الله من حيث عزف ألحانه التي يُقدمها للمطربين وقيادته للفرقة الموسيقية المنفذة لها، فقد لعب كذلك دور العازف ضمن مجموعة الموسيقيين المنفذين لأعمال غيره من المؤلفين، ومن أبرز الأعمال التي نفذها في هذا الإطار أغنية الطير المهاجر التي ألف لحنها وغناها محمد وردي؛ وأسند فيها دوراً أساسياً للعود.

كذلك يُشكّلُ بشير عباس مع برعي محمد دفع الله فئةً من المؤلفين الذين اهتموا بتأليف الموسيقى البحتة بقدرٍ استطاعوا معه الموازنة بين كم ما وضعوا من ألحان غنائية وما ألفوا من مقطوعات موسيقية، فمؤلفاتهم في مجال الموسيقى البحتة لم تكن ثانوية؛ أو قليلة العدد، فأعمال مثل المروج الخضراء أو فرحة شعب لبرعي محمد دفع الله، أو ألحان والقمر في كنانة لبشير عباس لا تقل أهميتها في أُذن ووجدان المستمع السوداني عن خرائد ما عمّر هذا الوجدان من أغنيات لمختلف المطربين من مختلف الحقب.

أيضاً في فئة المؤلفين نجد من تعامل مع عدد كبير من المطربين ولم يقتصر في جهده على ثنائيةٍ مع مطرب واحد أو عدد محدود من المطربين، وفي هذه الفئة يلتقي أيضاً بشير عباس ببرعي محمد دفع الله وكلاهما قد أعطى لحناً أو أكثر لعدد كبير من المطربين من جيل الرواد ومن تلاهم، ويلتقي معهم إلى حد بعيد في هذه الفئة عبد الرحمن الريّح، ويُشكّل بشير عباس مع عبد الرحمن الريّح فئةً نادرة، هي فئة المؤلفين صانعي النجوم، فقد عُرف عن عبد الرحمن الريح وقوفه خلف تجارب كل من حسن عطية، إبراهيم عوض وأحمد الجابري على الأقل في مرحلة تأسيس التجربة، ولا أدلّ على انتماء بشير عباس إلى هذه الفئة من تجربته مع ثلاثي البلابل، وهي تجربةٌ احتلت مركزاً لا يقل في أهميته عن ما شكلته تجارب رواد وعمالقة المطربين السودانيين من حيث رسوخها كلونٍ فريد نجح في ملء مركزه في وجدان المتلقي السوداني بكل جدارة.

إذاً وبالرجوع إلى هذه الفئات فسنجد أن بشير عباس قد احتل موقعه في أكثر من واحدةٍ منها، بدأً بكونه عازف بارع على آلة العُود، ومؤلف لألحان الأغاني وللموسيقى البحتة؛ ومؤلف صانع للنجوم، إلى جانب ما ميز تجربته في بعض جوانبها بشكلٍ اختص به هو وحده وهو ما تمثّل في أدائه لصفير الفم في مصاحبة آلة العود فأضاف بذلك لوناً جديداً غير مسبوق ولم يُتبع بعده إلا في إطارٍ ضيقً جدا، كذلك أتت تجربته في إضافة مقطع غنائي واحد لبعض مقطوعاته الموسيقية وكان ذلك في مقطوعة ألحان ومقطوعة القمر في كنانة، وبذلك يمكننا أن ننظر إلى تجربة بشير عباس ومن خلال انتمائه إلى كل تلك الفئات قياساً على مفهوم الفنان الشامل بوسمه بصفة الموسيقار الشامل.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *