
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• ساقتك قدماك قسراً أو تخييراً إليها فلا فوت ولا تثريب، فأنت حتماً في حضنها وتحت حنوها.
تباينت معها أو ائتلفت فستجدها كما هي.. لا تنقص من قدرك أي إرب، ولا تطعن في خاصرة دعتك، ولا تُمايِز بين مسقطك وسحنتك.
كم من باحث عن المعرفة والرفعة، عانقته هذه البلاد وألبسته سترة العلم.
كم من فارٍّ من أتون الإمعاض والحروب، غطته هذه الدولة بسماحة وإعطاء دون كلل.
تمنحك جنسيتها، وفق شروط واضحة ومحددة، إن استوفيتها باستقامة ظفرت، بلا إبطاء أو تلكؤ. وإن خاتلت فلا تلومن إلا فطنتك.
لا تسعفني ذاكرتي وطيلة وجودي فيها برؤية مبنى لوزارة، أو لافتة لمقر حكومي.. فكل الوزارات هي حاسوبك أو جهازك المحمول، فبضغطة من أزرار تدفع ما عليك وتنقضي طلباتك. فانتفت عندهم الرشاوى والمحسوبيات. فلا موظف واجماً تلاقيه، ولا سماسرة ينهبون عرقك بالحرام.
لم تسمع أذنيَّ أو تلتقط عينيَّ، مسؤولاً حكومياً يفتتح منشأة، أو يقصُّ شريطاً لمشروع، فيكفيه إنجاز ما هو مخطط له ضمن عمله الذي يتقاضى عليه راتباً. فلا بيان ولا مغزى في احتفالٍ يكافئه على أداء عمله الموكل له بحكم وظيفته. فهي ممارسات حصرية لمسؤولينا الميامين.
أي عمل مهما أربى أو تضاءل، تقوم به هنا، يكفيك الشظف، وينعم عليك بالسكنى.
وإن أحبطت العافية جهدك، منحوك ما يغنيك عن ذلك، فتستهنئ براحة بالك، وجمام عيشتك.
كل شيء فيها منضبط ومنتظم، دون تقاعس، كأنهم يلهثون على هيعة. راحة مواطنهم تفضح بواطنهم، كأنما هي شعرة بين الموت والحياة.
مجانية العلاج تعاير بتعالٍ إلزامية التعليم بلا مقابل.. فيبينان فُحش بلداننا المستفيض.
علمونا في صغرنا أن جمع الواحد لمثله يساوي الاثنين، فاختبرناها بالوقائع عندنا فوجدنا أن النتيجة يمكن أن تكون أضعافاً مضاعفة، وعند حين مباغت يصبح الناتج صفراً مرات. إلا أنني هنا استعدت وثوقيتي في علم الرياضيات فرجع الواحد كما كان.
هي عين البلاد التي فتحت آفاقاً رحيبة لتطوير الذات لكل شخص، وعبأت إمكاناتها الرهيبة لكل صاحب طموح، حتى ازدان جيدها بالعلماء والخبراء والحاذقين، وهم بذواتهم من كانوا مهملين وسادرين في بهل حكوماتهم الخائبة.
هي ذات البلاد التي يمكن أن تقول فيها كلمتك، وتعبّر فيها عن آرائك، وتجهر فيها بعقيرتك، وتيمم حيثما ابتغيت دون حجر، فلا تخاف سحلاً ولا حبساً.
تنام فيها غرير العين، تحشوك الطمأنينة بدفئها، وتباعد عنك كل ارتياع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة”.
حتى جاري (توم) الستيني، يتمثل كل ذلك بفعله..
فها هو يتفقدنا صباحاً بابتسامته السمحة، التي يلف بها وجهه ويهرقها كما البغش.
ويغنينا بالنهار عن عنت قص أشجارنا، ومشقة تشذيب وتهذيب حديقتنا الأمامية، بلا مَنٍّ أو قطرفة.
ويجاذبنا في المساء، أطراف الكلام بلباقة مسترسلة، ورزانة لا تكلُف فيها.
ومع كل ذلك يصدقك القول، ويدلك على مكامن الخير ومواضع العطاء، حتى تظن أنه قد دخل الإسلام قبلك.
فما هذه البلاد الكافرة بالتقاعس.. التي أتيناها من ديارنا المتأسلمة.. بحثاً عن ذواتنا وبعضاً من سلام؟
شارك المقال