النزاهة.. فضيلة في زمن التبرير

17
جعفر الفاضل الدهمشي

د. جعفر الفاضل الدهمشي

خبير قانوني، أستاذ الشريعة والقانون

• افتتاحية:

في زمنٍ أصبح فيه التبرير مهارة، تراجعت النزاهة إلى الصفوف الخلفية، تُراقب عالمًا يُعيد تعريف الصواب حسب المصلحة. لم تعد يُحتفى بها، بل تُتهم بالسذاجة، ويُنظر إلى أصحابها كمن لم يفهموا «لعبة الحياة».

لكن، هل النزاهة فعلًا سذاجة؟ أم أنها المقاومة الأخيرة في وجه عالم يُغريك بالتنازل؟

* تعريف النزاهة:

* في اللغة: البُعد عن السوء والدنايا.

* في الاصطلاح: التزام الأخلاق الفاضلة كالصدق والعدل.

* في القانون: مكافحة الفساد عبر الشفافية والرقابة.

* أنواع النزاهة:

تتفرع النزاهة إلى جوانب متعددة:

– فكرية: احترام الحقيقة دون تزييف.

– أخلاقية: الالتزام بالمبادئ.

– وظيفية: أداء العمل بشفافية.

– ذاتية: الاتساق بين القيم والسلوك.

– عن المطامع والريبة: الترفع عن الدنايا وتجنّب الشبهات.

* النزاهة بين الذكاء والجمهور:

في عالم يُمجّد الذكاء المصلحي، تبدو النزاهة كقيمة منسية. الذكي يُبرّر، أما النزيه فيضع حدودًا للذكاء.

النزاهة لا تحتاج جمهورًا، فهي قرار داخلي لا يُكافأ عليه أحد، لكنها تظل أعظم حين تُمارَس في الخفاء.

* التبرير هو العدو الهادئ:

يهمس لك: «الجميع يفعل ذلك»، «لن يضر أحدًا»… لكنه لا يُلغي الخطأ، بل يُخفيه مؤقتًا. وما يُخفى اليوم، يُكشف غدًا أمام الضمير أو القانون أو الحياة نفسها.

* النزاهة تُعدي:

حين يرى الطفل والده يرفض الغش، يتعلم. حين يرى الموظف مديره نزيهًا، يتأثر. النزاهة تُلهم، لا تُفرض، وكل فعل نزيه هو بذرة في تربة الآخرين.

أمثلة تطبيقية:

في المؤسسات: توظيف عادل، إفصاح مالي، رفض الرشوة، تقييم منصف، حماية المال العام.

في الحياة اليومية: رد الأمانة، الصدق في البيع، الالتزام بالوقت، الاعتراف بالخطأ، رفض الغش.

* تحديات وحلول:

تواجه النزاهة تحديات مثل الضغوط الاجتماعية، الفساد، ضعف الرقابة، وغياب القدوة.

ولمواجهتها، يجب تعزيز التربية الأخلاقية، تفعيل الرقابة، إبراز القدوات، وتطبيق القوانين الرادعة.

بناء ثقافة تشجّع على قول الحقيقة هو السبيل لترسيخ النزاهة كقيمة يومية.

الخاتمة:

النزاهة قد تُهمّش، لكنها لا تموت. إنها أساس الثقة والكرامة. في زمن التبرير، النزاهة ليست رفاهية… بل مقاومة.

اللهم جمّلنا بالنزاهة وحسن الأخلاق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *