الناقد الدكتور مصطفى الصاوي: الواقع أكثر ضراوة وعنفاً وغموضاً من المتخيل
Admin 29 مارس، 2025 47
حوار : محمد نجيب محمد علي
• يعد الدكتور مصطفى الصاوي أحد أبرز وجوه النقد والكتابة النقدية في السودان ، وله إسهامات في السيرة الذاتية ، إذ ارتبط بها أكاديميا كدراسة للدكتوراة ، وإرتبط بها ثقافيا في المنتديات والإذاعة السودانية . وللدكتور مصطفى إسهامات في الكتابة النقدية عن الرواية والشعر والقصة ، كما ينشط كمسؤول عن حركة النشر في مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان بجانب أنه أستاذ جامعي للأدب في الجامعات السودانية . التقيته في حوار شمل العديد من المحاور..
• تثير قضية إدراج السيرة الذاتية ضمن الجنس الروائي الكثير من الأسئلة ، هنالك من يرى أن كتابة السيرة الذاتية تراجع عن المكتسبات الفنية للرواية ومن يري خلاف ذلك ؟
– ليس هنالك شكل جوهري للرواية ، فعلى مدى تطوراتها شهدت أشكالا مختلفة وتداخلات ، فالسيرة الذاتية أو رواية السيرة الذاتية يتداخل المتخيل والواقعي فيها ،ولا أعتقد أن هنالك أي تراجع فني يصيب الرواية بإدراج الذات فيها طالما كان الكاتب متمكنا ولديه القدرة الكافية على التمييز بين الواقعي والمتخيل . وأكثر السير الذاتية صدقا وبوحا ومعالجة للحوادث لابد لها من بعض التخيل فأنت لا تستطيع أن تعيد إنتاج الحياة كما عشتها بل تنقل أصداء الماضي .
• إقتران الكتابة الجديدة بالمسكوت عنه هل لإرتباطها بمدرسة ما بعد الحداثة أم لتأثير الواقع الإجتماعي السائد في الوطن العربي ؟
– الفن الروائي في أعظم نماذجه ليس سياحة مع التيار بل سياحة عكس التيار وصولا إلى إكتشاف دخيلة الذات ، والمتغيرات الإجتماعية الحادة التي تمور بنا ، وفي السابق كان الروائي يحتاج إلى معايشة ورصد للواقع وتخيل ، أما الآن فقد صار الواقع أكثر ضراوة وعنفا وغموضا من المتخيل . ألا ينبغي للكاتب أن يتوغل عميقا في الإمساك باللحظات التي هربنا منها طويلا .
• وكيف تنظر إلي دور الرقابة في محاصرة المسكوت عنه ؟
– الرقابة التي لم تستسغ مثل هذا لا ترى أبعد من أنفها وما حجبته بالأمس متداول اليوم في الفضاء الواسع ..ومن الطبيعي أن يميل الكتاب إلى رفع اللسان عن المسكوت عنه وتبيانه ، والمسكوت عنه ليس فقط في أدب الشباب وإن بدا كظاهرة الآن ولكن جذوره في السودان تجلت عند علي المك وشوقي بدري والزين بانقا.
• الكثير من المبدعين والمثقفين السودانيين دخلوا السياسة من باب الإبداع في الحكومات المتعاقبة أمثال محمد أحمد محجوب ، منصور خالد ، مبارك زروق ، محي الدين صابر وغيرهم والبعض اليوم يطالب بمسافة ما بين المبدع والسياسي . كيف تقرأ ذلك ؟
– فلنتساءل هل يمكن التماهي بين السلطة والمثقف ؟ الإجابة على هذا السؤال واضحة ، مسافات طويلة وممتدة تفصل بينهما . المثقف الحقيقي تنويري ومستقبلي والسلطوي آني ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه ، والكاتب الحقيقي إذا تماهي مع السلطة أو برر لها أو تحول إلي بوق دعائي يبتعد كثيرا عن مفهوم الفن الرفيع ليغدو مزمرا في آلة إعلامية ضخمة وحقا السياسة السودانية إختطفت القدر الكبير من المفكرين في بداية عصر النهضة السودانية وعلينا أن نتمهل قليلا وأن نقر بتراجع دور المثقف التنويري.
• كيف تنظر إلى السيرة الذاتية السودانية بالنسبة للسيرة العربية ؟
– السيرة الذاتية في السودان لا تقل في حيائها عن السيرة العربية لعدة أسباب ، إذ ليس لدينا القدرة العالية علي الإعتراف بالأخطاء ولا أقول الذنوب ،أضف إلى ذلك أننا نحاول أن نصنع لأنفسنا صورة مغايرة عن الأصل قيامها الإدعاء وهذا لا يتناسب مع مفهوم الصدق في السيرة الذاتية ، السيرة العربية بالرغم من كثرتها وتعددها يقل فيها كثيرا عنصر البوح والمكاشفة .وفي السودان أغلب من كتبوا آثروا الهروب إلي صيغة المذكرات التي تعنى بالمجتمعي أكثر من الذاتي ، وتعنى بحراك المجتمع أكثر من حراك الفرد وهي ذاتها وقعت في وهدة الذات للتبرير وإدعاء البطولة الزائفة والصمت عن الحقائق . وثمة غياب كامل للسيرة النسوية في السودان.
• هنالك من يرى أن السيرة الغيرية أقرب إلى الرواية .. هل تتقف ؟
– السيرة الغيرية أقرب إلي التاريخ ، فطالما أردت أن تكتب عن شخص وتوثق له على مدي مراحل حياته وإنجازاته فإنك مطالب بالدقة التاريخية أكثر من التخيل . وفي السودان إنتشار واسع وكبير للسيرة الغيرية وهي أكثر قربا إلى علم التاريخ فقد كتب عثمان حسن أحمد عن إبراهيم أحمد وكتبت فدوى عبد الرحمن علي طه عن والدها بين السياسة وأربجي والتعليم ويمكن الإشارة إلى كتاب عبد الماجد عليش عن منصور خالد . والسؤال في السيرة الغيرية إلى أي مدى يستطيع كاتبها أن ينفذ إلى شخصية المترجم له ويقدمها كما هي في الحياة في أفعالها واقوالها ..وأقول إننا نهرب من كتابة الذات إلى كتابة المذكرات ومن كتابة المذكرات إلى كتابة السير الغيرية.
شارك اللقاء