• في يوم المرأة العالمي، لا نكتبُ عن المرأة لأن الحبرَ قادرٌ على احتوائها، بل لأنّ الكلماتِ عاجزةٌ عن الإحاطةِ بمجدِها! كيف يُوصفُ البحرُ في قطرة؟ وكيف يُحكى عن الشمسِ في شعاع؟ المرأةُ ليست نصفَ المجتمعِ كما يُقال، بل هي كُلُّ الحياةِ بوجهين؛ فهي التي تُنجبُ الأجيالَ وتُنجِبُ الحضارة، تُربي الأبناءَ وتُربِّي الأوطان، تسقي الزهرَ وتُزهرُ الحقول، فكيف يكون للكونِ معنى بدونِها؟
تكريمٌ لا يُؤجَّلُ إلى يومٍ واحد!
يُقال: للمرأةِ يومٌ عالميّ! وكأنها لا تستحقّ الاحتفاءَ إلا في مناسبةٍ مؤرَّخة! أَوَليست هي الزمنُ الذي تتكئُ عليه الأيام؟ أَوَليست هي الشمسُ التي يُشتقُّ منها الضياء؟ كيف نُحصي فضائلها في سطور، وهي التي تكتبُ التاريخَ كلَّ يوم؟
كرّمها الإسلامُ قبل أن تُدوّن القوانين، وقبل أن تنعقد المؤتمرات، فجاء في كتاب الله: “ووصّينا الإنسانَ بوالدَيه حملته أمه وهنًا على وهنٍ وفِصالُهُ في عامين أن اشكر لي ولوالدَيك إليّ المصير” [لقمان: 14]. تأملوا كيف قدّم الأمّ على الأب في الحثّ على الشكر، لأنها حملت وأرضعت وسهرت وتألّمت، ثم عَطَفَ الفصالَ على الحمل ليُشير إلى معاناةِ الأمِّ الممتدّة من الميلاد إلى الفطام، وكأنها سلسلةُ تضحياتٍ لا تنقطع.
وجاءت وصيةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرًا”، فجعل الخيرَ في حسنِ معاملتِهن، وكأنّ الدنيا لا تُزهرُ إلا بقلبٍ يُحسنُ إليهنّ، ولا تَطيبُ إلا بروحٍ تحفظُ كرامتهنّ.
المرأة السودانية… فيضُ الصبرِ ونهرُ العطاء
إن كانت المرأةُ في العالمِ زهرة، فالمرأةُ السودانيةُ نخلةٌ باسقة، تضربُ بجذورِها في الأرضِ وتمتدُّ بأغصانِها في السماء. هي التي أذاقَها الزمنُ مراراتِه، لكنها لم تتراجع، ولم تستسلم، ولم تُلقِ الأحلامَ في مهبّ الريح. حملت الوطنَ في قلبِها، فكان قلبُها وطنًا، واحتملت الآلامَ، فكانت الأملَ للأجيال.
هي التي كانت أمًّا وأبًا في آنٍ واحد، هي التي سَهِرَت لتُضيءَ دربَ أبنائها، وضحّت ليبقى البيتُ عامرًا. هي التي غرست، وسَقَت، ثم بَكَتْ في صمتٍ، فأنبتت دموعُها أملًا.
المرأة… البحرُ الذي لا ينضبُ عطاؤه
المرأةُ ليست مجرّد أدوارٍ تُمنحُ لها، ولا مجرّد ألقابٍ تُمنحُ عليها. هي الحكايةُ التي لا تنتهي، والنهرُ الذي لا يجفّ، والأمّ التي تعطي دون أن تسأل، والمعلمةُ التي تزرعُ الحروفَ في العقول، والطبيبةُ التي تداوي الجراحَ، والعاملةُ التي تبني، والمبدعةُ التي ترسمُ الجمالَ في كلّ زاويةٍ من الحياة.
تحيةٌ للمرأةِ لأنها الحياةُ نفسُها
إلى كلِّ امرأةٍ تقفُ بشموخِها رغم الرياح، إلى كلّ أمٍّ تزرعُ الأملَ في قلوبِ أبنائِها، إلى كلّ زوجةٍ تُضيءُ بيتَها بالحُبِّ والصبر، إلى كلّ أختٍ كانت العَونَ والسند، إلى كلّ فتاةٍ تحلمُ بغدٍ أجمل… ألفُ تحية، وألفُ سلام.
أما نساءُ بلادي، فَلَكُنّ السلامُ حين ضجّت الحرب، والصبرُ حين طالَ الألم، والنورُ حين تكاثفتِ الغيوم.