المدنيون بين انتهاكات المُتمردين وأخطاء المسؤولين والمختصين (2-3)

69
المدنيون
Picture of د. محمد أحمد محجوب عثمان

د. محمد أحمد محجوب عثمان

أستاذ القانون العام المُشارك

أهم القواعد والمبادئ المُرتبطة بحماية المدنيين:

    في الأصل نجد أن القانون الدولي الإنساني يخاطب المقاتلين، باعتبار أنه قانون يسعى لتقليل آثار النزاعات المًسلحة وذلك بإحداث توازن بين الضرورة العسكرية والاعتبارات الإنسانية وذلك بتقييد طرق ووسائل القتال، فأطراف النزاع ليس لهم الحق المطلق في اختيار نوع الأسلحة أو اتباع كل السبل والطرق لإحداث تقدم أو ميزة عسكرية، بل عليهم أن يضعوا في الاعتبار أن للحرب حدود وقيود.

   إّذا كانت الطرق والوسائل مقيدة أثناء النزاع فيما بين المقاتلين أنفسهم فمن باب أولى أن تكون أكثر تقييداً في شأن المدنيين، لذا فإن القانون الدولي الإنساني قد أولى المدنيين بحماية تتمثل في الضمانات الأساسية العامة وحماية خاصة بهم وبالأعيان المدنية وحماية أخص للفئات الأكثر ضعفاً وحاجة للحماية مثل النساء والأطفال والمرضى وكبار السن، ومع ذلك وبكل أسف نجد أن فئات المدنيين هم الأكثر عُرضة للانتهاكات في الحروب الأخيرة وبالأخص إذا أخذنا حرب السودان الأخيرة كنموذج فإن المُتأثرين بها بصورة مباشرة وغير مباشرة يضاعف أعداد العسكرين إذا ما أخذنا في الاعتبار أعداد القتلى والمغتصبات واللاجئين والمشردين داخليا والمقبوض عليهم والمحتجزين ومن تعرضوا لحالات النهب والسرقات والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية والمهينة وغيرها من الانتهاكات.

    أهم المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة اتفاقية جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والتي جاءت في (159) مادة مُضاف اليها ثلاث ملاحق، تناولت الاتفاقية مفهوم المدنيين والتزامات أطراف النزاع في حمايتهم وحماية الأعيان المدنية، والبروتوكول الاضافي الأول لسنة 1977م المتعلق بالنزاعات الدولية والبروتوكول الإضافي الثاني 1977 المتعلق بالنزاعات الداخلية، ولأن الموضوع يتعلق بحرب السودان سأتطرق لأهم الأحكام المُتعلقة بتجريد المدنيين من حريتهم وفقاً للبروتوكول الَاضافي الثاني، على النحو الآتي:

  جاءت ديباجة البروتوكول مذكرة بالمبادئ الإنسانية الواردة في المادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع وبالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مؤكدةً ضرورة توفير الحمايةً في النزاعات الداخلية وتطبيق المبادئ الإنسانية والضمير العام في ما لم يرد فيه نص. 

  أمنت الفقرة (ب) من المادة الثانية على تمتع كافة الأشخاص الذين قيدت حريتهم لأسباب أثناء  النزاع أو  بعده  بحماية خاصة.

   وضعت المادة (4) من البروتوكول لجميع الأشخاص الذين لا يشتركون بصورةٍ مباشرةٍ أو الذين يكفون عن الاشتراك في الأعمال العدائية -سواء قيدت حريتهم أم لم تقيد وأوجبت احترام شخصهم وشرفهم ومعتقداتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية وأن يعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز مجحف. وحظرت الأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة، وقد حظرت المادة مجموعة من الأفعال منها أخذ الرهائن.

    المادة (5) بينت حقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم وأطلقت عليهم وصف (المعتقلين والمحتجزين) وقد كفلت لهم العديد من الحقوق، أهمها:

• تزويدهم بالطعام والشراب بالقدر الذي يزود به السكان المدنيين المحليين وتؤمن لهم كافة الضمانات الصحية والطبية والوقاية ضد قسوة المناخ وأخطار النزاع المسلح.

• السماح لهم بتلقي الغوث الفردي أو الجماعي.

• ممارسة شعائرهم الدينية وتلقي العون الروحي.

• حجز النساء في أماكن منفصلة عن الرجال ويوكل الإشراف المباشر عليهن إلى نساء ويستثني من ذلك رجال ونساء الأسرة الواحدة فهم يقيمون معاً.

• يسمح لهم بإرسال وتلقي الخطابات والبطاقات ويجوز للسلطة المختصة تحديد عددها فيما إذا ضرورةً لذلك.

• لا تجاور أماكن الاعتقال والاحتجاز مناطق القتال، ويجب إجلاء المعتقلين عند تعرض أماكن اعتقالهم أو احتجازهم بصفةٍ خاصةٍ للأخطار الناجمة عن النزاع المسلح إذا كان من الممكن إجلاؤهم في ظروف يتوفر فيها قدر مناسب من الأمان.

تناولت المادة (11) حق السكان والأشخاص المدنيين في التمتع بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية ويجب ألا يكونوا محلا للهجوم وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين، ويتمتع الأشخاص المدنيبن بالحماية ما لم يقوموا بدورٍ مباشرٍ في الأعمال العدائية. 

حظرت المادة (14) تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين علي قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري. 

حظرت المادة (17) الأمر بترحيل السكان المدنيين، لأسباب تتصل بالنزاع. ما لم يتطلب ذلك أمن الأشخاص المدنيين المعنيين أو أسباب عسكرية ملحة، وإذا ما اقتضت الظروف إجراء مثل هذا الترحيل، يجب اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لاستقبال السكان المدنيين في ظروف ملائمة من حيث المأوي والأوضاع الصحية الوقائية والعلاجية والسلامة والتغذية. ولا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم لأسباب تتصل بالنزاع. 

    وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاعتقال أو الحرمان من الحرية المقصود لا بد من أن يكون بمسوغ ومبرر قانوني ذلك أن اتفاقية جنيف الرابعة قد حظرت الاعتقال وقيدته بشروطٍ وضوابطٍ مُحددة حيث نصت على (لا يجوز الأمر باعتقال الأشخاص المحميين أو فرض الإقامة الجبرية عليهم إلا إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها. أو إذا طلب أي شخص اعتقاله بمحض إرادته عن طريق ممثلي الدولة الحامية وكان وضعه الخاص يستدعي ذلك، فإنه يعتقل بواسطة الدولة التي يوجد تحت سلطتها)، وفي كل الأحوال يجب مُراعاة الكرامة الإنسانية والالتزام بالضمانات الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *