الكتابة والحب في نوفمبر الضبابي

22
إشراقة مصطفى

إشراقة مصطفى حامد - فيينا

• نوفمبر. شهرُ الولادات، وأعذبُ ما فيه أنّ صغيرتي أطلت في التاسع منه 2002، باسمةً وحلوة، والأحلى في حياتي، لازلت احس بعد إثني وعشرين ربيعا بالم المخاض الحلو لاسمع زقزقتها: مرافيء. 

نوفمبر شهرُ الضباب، وتقلباتِ الطقس، ووداعِ الشجر لصفقاتِ روحي المعلّقة على هامةِ الأمل. ومعه يتقلّب طقسُ الروح وأسئلتُها التي لا تكفّ عنها. هذا الشهر لم تَدَعْني أفعالُ الحبّ في مقابل الحرب أن أكتئب؛ الاكتئاب المناغم اسئلة الوجود، فليس لديَّ وقتٌ ولا امتيازٌ لأصرخ بأنّي على حافةِ سؤال معنى الخلق، وليس هذا كارثيًا، فالكارثيّ هو مواتُ مشاعرِنا. وطالما وردُ الحبّ يُقاوم حرف الراء، فالعمل يبدأ من  تأمّلاتنا الصغيرة: تأمّلِ نملةٍ صغيرة تحمل حبّةَ قمحٍ أكبر من حجمها، ومع ذلك تمضي بي ومعي نحو الحياة.

نوفمبر في تاريخنا السوداني، المعلنِ والمسكوتِ عنه. نوفمبر الفاشر، الشهر الذي نفض فيه العالمُ نعاسه (اللذيذ) وانتبه إلى أن هناك حربًا طاحنة، وأنّ مسؤوليته الأخلاقية تحتّم عليه اتخاذ موقفٍ واضحٍ وجريء… لكن هذا لن يحدث ما لم نمسك زمام الحلمِ في التغيير نحو السلام، سلام النفسِ أولًا كجسرٍ قاسٍ نحو سلامِ البلاد.

وهذا الشهر، ولأول مرّة، لم أحتفِ مع ابنتي بميلادها، وهي تعرف أنّ احتفائي بها وبوجودها في الحياة مرافيءُ لسفني مهما عصفت بها الأعاصير؛ فهي في طريقها تُبحر، تُبحر بما يختلج في القلب من وجيبٍ وشغفٍ للفعل الإيجابي، وبما يؤكد لي أنّي فعلًا — مثل نيرودا وماركيز — قد عشت… عشت بسيرةِ الحبّ والسلام.

نوفمبر الذي يغنّي فيه قلبي معتصمًا بحبل المحبة، ولجامي في يدي، وأفراسي تطاوعني حين أريد لجمها نحو ما يتيح لي وللآخر تلك المساحة الآمنة بعيدًا عن إملاء أناشيد الحنين. والحياة ليست للنجاة من الحب، بل للعيش فيه بكامل انعتاقه؛ فالكتابة هي الحب، والحب هو الكتابة، وأنا في تمام انعتاقي حين اكتب.

أنا لست بعيدة…

قريبة حين ينادي المنادي،

منادي الحياة التي لا تنتظر،

كأنني خُلقتُ لألبي أمر الحنان

ولأسمع نداء من ملك الايمان

الذي يشعل في القلب الأغنيات المنسية.

أنا لست فينوس ولا أرتيميس… أنا إنانا، التي تعرف أن الحب والحرب ليسا سوى وجهي تجربة واحدة، تتشعب، أعيهما بكل طاقتي، أعيش الحلو والمرّ فيهما، أحتمل الألم وأحتفل بالحزن؛  أما المنتصرة، فهي أفروديت التي لها وجهي، اتوج الحب بالمقاومة ، بالجمال وأنا، بين وعي إنانا وانتصار أفروديت، أغني، أكتب، أحب، اتنفس، وأصنع من كل لحظة فرصة للحياة، فرصة للحب الذي لا ينتظر سوى قلب واعٍ ليحتضنه. الوعي 

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *