القطاع الزراعي ما بين الإدارة المتغولة والموارد المستنزفة

71
عبدالمنعم علي قسم السيد

د. عبدالمنعم علي قسم السيد

المستشار الوطني لاستراتيجية التحول الزراعي المستدام SATS

• شهد القطاع الزراعي في السودان، عبر أنماطه الثلاثة (المروي، والمطري التقليدي، والمطري شبه الآلي)، اختلالات بنيوية في علاقات الإنتاج، تتفاوت حدتها بين هذه الأنظمة الثلاثة، انعكست سلبًا على كفاءة الأداء الزراعي، وعدالة توزيع الموارد، واستدامة التنمية الريفية. ففي المشاريع المروية، أدى تغوّل الإدارة المركزية على القرارات الإنتاجية إلى تهميش دور المزارع، وخلق علاقات إنتاج غير متوازنة، تفتقر إلى الحوافز والمرونة. أما الزراعة المطرية التقليدية، فظلت حبيسة أدوات بدائية وعلاقات عرفية غير قادرة على مواكبة التغيرات المناخية أو تلبية احتياجات السوق. بينما ساهم التوسع غير المنظم في الزراعة شبه الآلية في استنزاف الموارد الطبيعية، وتفكك البنية الاجتماعية الريفية، دون تحقيق تنمية متكاملة.

إن هذه الاختلالات تبرز الحاجة الملحة إلى تحول زراعي شامل، لا يقتصر على إدخال التقنيات الحديثة، بل يشمل إعادة هيكلة علاقات الإنتاج، بما يضمن مشاركة المزارعين في اتخاذ القرار، وتحقيق العدالة في توزيع العوائد، وتعزيز التكامل بين الأنماط الزراعية المختلفة. ويُعد التحول الزراعي شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في السودان، من خلال تطوير أنظمة إنتاج عادلة اجتماعيًا ومجدية اقتصاديًا وآمنة بيئيًّا، تؤدي إلى بناء قطاع زراعي قادر على الصمود، والتجدد، والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.

ولقد أدى الخلل في علاقات الإنتاج في الزراعة المروية، إلى  تدني مساهمة القطاع الزراعي في  الاقتصاد القومي إلى أدنى مستوياتها، حتى وصلت إلى تعطيل دوره كمصدر للعملات الصعبة للدولة وداعم للتنمية الاجتماعية في البيئات المحلية للمشروعات، وذلك نظرًا للفوضى التي أحدثها تغير قوانين المشروعات الزراعية والمروية، وما أدت إليه من توقف التمويل الرسمي وتعطيل نظم الإنتاج التي أسست عليها هذه المشروعات القومية لأغراض إنتاج محاصيل الصادر وبدائل الواردات لدعم الخزينة العامة، وتحقيق الأمن الغذائي، ومن ثم ترك الحبل على  الغارب لشركات الزراعة التعاقدية، لتحديد التركيبة المحصولية وشروط التمويل وفقًا لمصالحها الاقتصادية. 

كل هذه التحديات تؤكد أن التحول الزراعي ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لإعادة بناء القطاع الزراعي على أسس اقتصادية واجتماعية مغايرة، تستوعب العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في أداء القطاع وتمكينه من تحقيق النتائج التالية:

1.  الإصلاح المؤسسي وإعادة هيكلة علاقات الإنتاج، لضمان مشاركة المزارعين في اتخاذ القرار، وتحقيق العدالة في توزيع العوائد وبناء نماذج أعمال مؤسسية قادرة على توفير التمويل الذاتي،  وتطوير أنظمة إنتاج عادلة اجتماعيًا ومجدية اقتصاديًا وآمنة بيئيًّا.

2.  تحقيق التكامل بين الأنماط الزراعية (المروي، المطري التقليدي، وشبه الآلي)، بما يعزز التنسيق والتكامل الإنتاجي.

3.  رفع كفاءة الإنتاج الزراعي (النباتي والحيواني) من خلال إدخال تقنيات مناسبة للبيئات المحلية، وتطوير البنيات التحتية.

4.  تعزيز الاستدامة البيئية عبر سياسات تحافظ على الموارد الطبيعية، وتحد من التدهور البيئي الناتج عن الزراعة غير المنظمة.

5.  تمكين المجتمعات الريفية اقتصاديًا واجتماعيًا، من خلال دعم التنظيمات التعاونية وتوفير التمويل العادل.

6.  التحسين المستمر لمساهمة الزراعة في الاقتصاد الوطني عبر تنويع المحاصيل، وتطوير سلاسل القيمة، وزيادة الصادرات الزراعية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *