الطريق إلى تعافي السودان بعد الحرب

43
محجوب الخليفة

محجوب الخليفة

كاتب صحفي

• في خضم المعاناة التي أرهقت كاهل السودان، تتجلى ضرورة الالتفاف حول الوطن باعتباره أسمى من كل المصالح الضيقة والتوجهات الحزبية. إن الخروج من نفق الحرب المظلم يتطلب إرادة وطنية صادقة، تؤمن بأن السودان يجب أن يُبنى على أسس جديدة، قائمة على العلم والمعرفة والسلم الاجتماعي، تضمن استعادة الدولة لعافيتها.

مؤتمر قومي جامع: خارطة الطريق نحو المستقبل

لا يمكن للسودان أن ينهض دون إجماع وطني حقيقي. ولذلك، ينبغي أن تكون الخطوة الأولى في مسيرة التعافي تنظيم مؤتمر قومي جامع، يضم كل القوى الوطنية الصادقة، بعيدًا عن الأجندات الحزبية الضيقة. يجب أن يكون هذا المؤتمر منصة للحوار الشفاف، تُطرح فيه الرؤى المستقبلية لإعادة بناء السودان على أسس دستورية وقانونية تضمن حقوق الجميع.

إعادة رسم ملامح الدولة الحديثة

يتطلب التعافي إعادة تعريف دور مؤسسات الدولة، ووضع ضوابط واضحة تلتزم بها جميع الجهات. يجب أن تعمل مؤسسات الدولة وفق مهامها الدستورية دون تجاوزات، بحيث يُعاد بناء النظام الإداري على الكفاءة والنزاهة بدلًا من الولاءات السياسية. لا بدّ من إعادة هيكلة المؤسسات السيادية، خاصة الجيش والشرطة والأجهزة العدلية، لتصبح أدوات لحماية الوطن والمواطن، لا لخدمة مصالح سياسية ضيقة.

هيكلة الأحزاب السياسية: تقليل العدد وتحديد المعايير

من أكبر الأزمات التي واجهها السودان هي فوضى التعدد الحزبي، حيث تجاوز عدد الأحزاب العشرات، دون أن يكون لها برامج واضحة أو تأثير حقيقي. يجب أن يتم وضع ضوابط قانونية صارمة، تضمن تقليل عدد الأحزاب السياسية إلى سبعة أو عشرة أحزاب كحد أقصى، بحيث تكون لكل حزب قاعدة جماهيرية حقيقية، وبرنامج سياسي واضح، يخدم مصالح السودان بدلًا من المصالح الشخصية أو الفئوية. إن تقليل عدد الأحزاب سيؤدي إلى نظام سياسي أكثر استقرارًا، يمنع تفتيت الأصوات، ويجعل التنافس السياسي أكثر نضجًا ومسؤولية.

القضاء المستقل.. محاسبة عادلة وبداية جديدة

إرساء العدالة هو حجر الأساس لأي دولة تنهض من رماد الحروب. لا بدّ من ضمان استقلال القضاء، ليكون قادرًا على فتح ملفات الفساد والانتهاكات التي أضرت بالسودان، ومحاسبة الجهات التي استغلت السلطة لإثراء ذاتها أو إشعال الفتن. العدالة الانتقالية يجب أن تكون جزءًا رئيسيًا من مسار التعافي، بحيث لا يفلت أي مجرم من العقاب، وفي الوقت نفسه يُتاح للسودانيين فرصة للمصالحة الوطنية الحقيقية.

إعلاء قيم العلم والمعرفة

لا يمكن لأي دولة أن تنهض دون أن يكون العلم والمعرفة في صدارة أولوياتها. يجب أن تتبنى الدولة مشروعًا وطنيًا لإصلاح التعليم، وإعادة بناء الجامعات والمدارس، وتشجيع البحث العلمي، ليكون الأساس الذي يُبنى عليه السودان الحديث. إن الاستثمار في العقول هو الضمانة الوحيدة لبناء مستقبل مستدام، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية

الحرب خلّفت جروحًا عميقة في النسيج الاجتماعي، ولا يمكن تجاوزها إلا عبر مشروع وطني يهدف إلى تحقيق السلم الاجتماعي والمصالحة بين المكونات السودانية كافة. يجب أن يُصاغ برنامج للمصالحة الوطنية، يشمل تعويض الضحايا، ورد الحقوق، وبناء الثقة بين مكونات المجتمع، لضمان أن لا تتكرر الأخطاء الماضية.

 الإرادة الوطنية هي المفتاح

 طريق التعافي لن يكون سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا. بإرادة وطنية صادقة، ومؤسسات قوية، وعدالة نزيهة، يمكن للسودان أن ينهض مجددًا، ليكون نموذجًا لدولة مستقرة وعادلة. إن اللحظة الراهنة هي لحظة فاصلة في تاريخ السودان، وتستدعي منا جميعًا أن نضع الوطن فوق كل الاعتبارات، وأن نعمل معًا لبناء سودان جديد، قائم على أسس متينة من العلم والعدل والسلم الاجتماعي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *