الشاعرة المغربية نعمة ابن حلام: العلاقة بين الشعبين المغربي والسوداني علاقة عريقة متجذرة في التاريخ

60
nima
Picture of حوار: محمد نجيب محمد علي

حوار: محمد نجيب محمد علي

• تعد الشاعرة نعمة ابن حلام إحدى أميز الأصوات الشعرية الجديدة في المغرب ،ولها إسهامات عديدة في مجال الترجمة ،إذ عربت عددا من النصوص لفكتور هوجو، ألفونس دو لامارتين، شارل بودلير وبعض السوناتات القصيرة لشكسبير، كما نقلت عددا من النصوص لشعراء مغاربة من العربية إلى الفرنسية. وتعمل مديرة مكتبة عامة في مكناس، وحاصلة على شهادة «إعلامي» من مدرسة علوم الإعلام بالرباط، تخصص علوم المكتبات ومراكز التوثيق وشهادة إجازة في الدراسات الإنجليزية وشهادة ماستر في الدراسات الإنجليزية، شاركت في ملتقيات شعرية محلية ووطنية وعربية. صدر لها ديوان شعر موسوم ب «سوانح امرأة عادية». ورواية بعنوان سيمفونية الفوضى التقيتها، وكان هذا الحوار حول العديد من قضايا الإبداع الثقافي العربي والمغربي . 

• عنوان مجموعتك «سوانح امرأة عادية»، ماذا أردت أن تقولي من خلال هذا العنوان؟

– ‎قد تحتاج ثلاث كلمات لصفحات للوقوف على دلالاتها العميقة، وتظل منفتحة وقابلة لكل احتمالات التأويل. ومع ذلك سأشير لبعض المداخل لكل مفردة على حدة. ‘السوانح’ أو الخواطر جاءت بدل ‘أشعار’ لترك الحكم على كتاباتي للمتلقي، فالقارئ الحصيف والناقد المتخصص هما من سيحدد مدى شاعرية ما يقرآن. امرأة، دون ال التعريفية تختزل كل النساء ربما وتعبر عن مكابدات كتبت بنون النسوة. عادية كلمة متعددة المعاني، نجد من بين هذه المعاني أن العاديَة مؤنث العادي هي الخيل التي تعدو، قال الله تعالى «والعاديات ضبحا» وشرحها المفسرون بأنها الخيل أو الإبل والحياة عبارة عن معترك وكلنا فيها عادون. والعادي (ة) العدو أو الظالم، يقول تعالى «فمن اضطر غير عاد ولا باغ فلا إثم عليه» ربما في إشارة إلى أنني ظالمة، وما ظلمي إلا لنفسي، والعاديّ (ة) بتشديد الياء هي البسيطة التي لا تتجاوز عامة الناس ولا شك أن بالكلمة بهذا المعنى استفزازا للقارئ واستدعاء لقراءة هذه المرأة العادية بالمعاني الآنفة وكذلك بالمعنى ببعده الثقافي والاجتماعي والحضاري وكما قعد له فوكو بما هو عادي وما هو غير عادي أو ما هو جنون وكيف أن الجنون مغر لأنه معرفة.. وعموما لا يمكن فهم اختيار الكلمة دون الوقوف على آخر كلمات آخر نص في المجموعة والموسوم ب «جنون»، ومحاولة فهم لماذا هذا التدوير ولماذا الانتهاء بما جاء في البدء.

• ما هو موقع الشعر المغربي في خارطة الإبداع العربي؟

– ‎الشعر المغربي حاضر في خارطة الإبداع العربي منذ مطالع القرن الماضي وهنالك أسماء وازنة استطاعت البروز في المشهد الشعري وطنيا وعربيا ودوليا أذكر على سبيل المثال وليس الحصر عبد الكريم الطبال، محمد بنيس، محمد الحلوي، مليكة العاصمي، أمينة المريني، وفاء العمراني.. وقد عرفت السنوات الأخيرة تراكما كبيرا على مستوى النشر وظهرت أسماء جديدة كثيرة، إلا أن الكم ليس مؤشرا يعتد به للتأكد من أن ما ينشر شعر حقيقي والأيام فقط هي التي تغربل وتنقي فيثبت الثابت ويتبخر ما سواه.

• كيف ترين العلاقة بين النقد والأدباء الجدد في المغرب؟ 

– ‎ما ينشر كثير والأسماء متعددة لكن النقد الأكاديمي شبه غائب، وهنا أشير إلى دور كليات الآداب التي يستحب أن توجه الطلبة في بحوثهم إلى مجال النقد الأدبي، فاتحة بذلك الطريق أمام المبدعين الجدد لينالوا حظهم من الاهتمام، وأمام النقد كحركة لا مناص منها للوقوف على كل جديد وتقييمه وفق المعايير النقدية المتعارف عليها. 

• تأثيرات الواقع الثقافي المغربي على الشعر والكتابة؟

– ‎الشعر والكتابة عموما يؤثران ويتأثران بالزمان والمكان والسياق، فالثقافة والحضارة والتاريخ والتغيرات المجتمعية والسياسية والفكرية والاقتصادية كلها عوامل تصقل الرؤى وتصهر التجارب وتطور الوعي بالذات وبالمجتمع فتتولد الرغبة في التعبير عن الهواجس والقلق الذين يصاحبان هذا الوعي، وهذه الرغبة بدورها تتطور لتصير حاجة نفسية لخلق بنية نصية تستجيب لكل هذه المعطيات وتفرز كتابة مليئة بالمكابدات الذاتية تارة وبجراح الوطن في بعده المحلي والعربي والكوني تارة أخرى. الشعر المغربي مر من مراحل مختلفة تغير مفهومه من خلالها تبعا للمعطيات السياقية التي زامنها. فبعد أن كان في أواخر القرن التاسع عشر مجرد نظم متعلق بالعلوم الفقهية والنحوية والبلاغية وأداة لحفظها، صار في أوائل القرن العشرين ذا موضوع مستقل نسبيا، ليعرف في فترة الثلاثينات صراعا حادا بين أنصار التجديد وأنصار التقليد، وكان للتواصل بين المغرب والمشرق في هاته الفترة دور كبير في بلورة الشعر في المغرب وتطور بنيته ومضمونه. أما في الأربعينات فقد ظهر بشكل كبير الشعر الرومنسي وبرز شعراء شباب ونقاد منهم من يؤيد الرومانسية ومنهم من يدعو إلى الواقعية، إلى أن ظهرت إرهاصات الحداثة مع السبعينات حيث برز سؤال الحداثة وتفجرت القصيدة الحداثية بكل أشكالها.

‎• تكتبين قصيدة الخليل وقصيدة التفعيلة. كيف تقرئين محمد بنيس وقصيدة النثر؟

– ‎محمد بنيس أحد أكبر شعراء الحداثة في المغرب وهو يكتب بحرية تامة يمزج بين الأنواع ويتجاوز البنى التقليدية ويؤكد أنه لا فرق بين الشعر والنثر لديه إلا بدرجة تورط الذات في الكتابة. أما عني، فقد كتبت أيضا بضع نصوص نثرية لم تتجاوز الثلاث أو الأربع. ما أكتبه بحب، أو بالأحرى ما يكتبني لأن القصيدة تأتي من حيث لا نبحث عنها، هو شعر التفعيلة الذي أجد فيه المتعة والدهشة والموسقة، لكن ما هو الشعر أولا وأخير؟ أليس هو تدفق المشاعر الذي يحيل الدم حبرا يرسم مكامن النفس ولواعجها؟ إذا توفر النص على الصور المحلقة التي تحقق السحر والدهشة، إذا كانت لغته شفيفة شفافية النفس الشاعرة وصافية صفاء الروح المنسكبة حروفا فكلماتٍ فنصا به من الشاعرية والموسيقى الداخلية ما يجعلك ترتاح لقراءته ثم تنغمس فيه لتعيد قراءته مرات، فلا ضير ألا يكون موزونا أو مقفى. هذا رأيي الذي لا يعني أنني قد أكتب مستقبلا قصيدة النثر..

• كثيرا ما يقول النقاد إن الترجمة تخل بالقصيدة في نقلها من لغة إلى أخرى، هل هذا صحيح أم أن الأمر زيادة قول؟

– ‎لولا الترجمة لما استمتعنا بروائع الخيام مثلا ولما تذوقنا ما يكتب بغير لغتنا ولما تعرف الآخر على أشعارنا. هي إذن ضرورة وليست ترفا. الترجمة هي القنطرة التي تصل بين الثقافات والفنون الأدبية، وترجمة الشعر تحديدا كانت ولا تزال محط جدل بين من يعتقد أن الشعر يضيع بالترجمة ومن يرى بأن الترجمة قد تضاهي النص الأصلي جمالا أو ربما تفوقه. من وجهة نظري، ترجمة الشعر عملية معقدة وممتعة بذات الوقت. إنها تحقق لذة لا توجد في الكتابة، فالإعجاب بنص شعري قد يولد الرغبة في الاستحواذ عليه وكتابته من جديد، ولأن الأمر غير ممكن فكتابته بلغة أخرى قد يشفي غليل المترجم. ما يجب مراعاته هو الاحتفاظ بروح النص الأصلي. إتقان اللغتين الأصلية والمنقول إليها ليس كافيا لترجمة الشعر، لا بد من أن تحس به، أن تستلذ به وأن يمتزج بروحك ووجدانك كي تستطيع ولادته من جديد بلغة شعرية لا تقل جمالا عن الأصل. مترجم الشعر يجب أن يكون شاعرا حتى لا يجيء النص المترجم جافا خاليا من روحه. 

• الهوية المغربية ونزاعاتها ما بين الدعوة إلى هوية مغربية قومية خالصة وهوية عربية إسلامية وهوية فرانكوفونية باعتبارها بوابة للعالم؟

– ‎لا يمكن الحديث عن الهوية المغربية دون الإشارة إلى كون المغرب، بحكم موقعه الجغرافي وبحكم تاريخه وترادف الحضارات عليه وانصهار الأجناس بمكوناتها الأمازيغية والعربية القادمة من المشرق ثم من الأندلس بعد امتزاجها بالمكون الأوروبي، قد أنتج إنسانا ورث تراثا غنيا وثقافة تداخل وتفاعل فيها العربي بالأمازيغي بالصحراوي بالأندلسي. المغربي إنسان غني بتنوعه، بثقافاته، بلسانيه العربي والأمازيغي، بإسلامه ويتفتحه على الغرب، والهوية المغربية هي هذه العناصر كلها مجتمعة ولا مجال للحديث عن هوية مغربية قومية خالصة وأخرى عربية إسلامية. أما الفرانكوفونية فتحيلنا على مخلفات الاستعمار من لغة وخلفية ثقافية مرتبطة بها، إذا تناولناها من منطلق خطاب بعد كولونيالي فأسوق قول هومي بابا في عمله (الأمة والسرد) بأن التغير الذي يحدث في نظام الثقافة بعد الاستعمارية لأي دولة يكون دائما متأرجحا وهجينا (ambivalent and hybridized) فالثقافة الجديدة المهيمنة لا يمكن أن ترحل وتنمحي آثارها، بل تظل بصمتها حاضرة ولو بعد أمد. بذات الوقت، معروف أن اللغة هي وعاء للفكر وبأن الانفتاح على لغة أخرى هو انفتاح على ثقافة وحضارة وطرق تفكير مغايرين وهو بالتالي إغناء وإثراء وقيمة مضافة، في حدود ألا يضيع الفرد بين لغتين وثقافتين وحضارتين الأولى تتشبث بالأصالة والأخرى تنبني على الحداثة وألا يتأرجح بين هويات متضاربة ومتناقضة ولا يسقط في فخ السياسة الفرنكوفونية التي ما هي إلا شكل من أشكال العولمة الاستعمارية.

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *