السودان بلد الفرصة الضائعة 

141
دكتور طارق عشيري

د. طارق عشيري

أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في الجامعات السودانية

• العالم اليوم ينظر للسودان بعدة صور متباينة، والسبب أن صورة السودان في الإعلام والسياسة الدولية ليست موحّدة، كثير من وسائل الإعلام العالمية تركز على الحرب الحالية، الأوضاع الإنسانية الصعبة، النزوح، والمجاعة، مما يجعل الصورة السائدة هي «السودان بلد في حالة انهيار مستمر». هذه النظرة يغلب عليها الطابع الإنساني الكارثي أكثر من أي جوانب أخرى.

بعض الدول والمستثمرين يرون أن السودان يملك ثروات زراعية ومعدنية هائلة، وموقعًا استراتيجيًا مهمًا، لكن هذه الموارد معطّلة بسبب عدم الاستقرار السياسي والحروب.

في دوائر السياسة الدولية، السودان يُنظر إليه كنقطة حساسة في القرن الإفريقي وحوض النيل، أي أن استقراره أو انهياره يؤثر على دول الجوار والمصالح الدولية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، الإرهاب، والمنافسة بين القوى الكبرى في إفريقيا.

بعض الشعوب، خاصة في إفريقيا والعالم العربي، ما زالت تنظر للسودان بتقدير، باعتباره بلدًا له تاريخ عريق وحضارة قديمة (كوش، مروي)، وشعب كريم ومضياف، لكن هذه الصورة بدأت تتراجع أمام أخبار الحرب والانقسام، 

لنوسع الصورة  ونغوص أكثر في كيف يرى العالم  السودان من زوايا مختلفة، ونربطها بالتاريخ والحاضر والمستقبل

الإعلام الغربي غالبًا ما يسلط الضوء على صور النازحين، الأطفال الجوعى، والقرى المدمرة، وكأن السودان «أرض كوارث» دائمة.

المنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر) تتعامل مع السودان في الغالب كملف إغاثة عاجل، وهذا يجعل صوت السودان في العالم صوت استجداء للمساعدات لا صوت شراكة أو قوة.

للأسف، هذه النظرة تترسخ كلما طالت الحروب وزادت الأزمات الإنسانية.

المستثمرون الدوليون يعرفون أن السودان يملك:

أكبر الأراضي الزراعية الخصبة في إفريقيا.

احتياطات ذهب ومعادن نادرة.

موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر يربط إفريقيا بآسيا وأوروبا.

لكنهم يصفونه بـ «الفرصة الضائعة»، لأن النزاعات الداخلية والفساد يمنعان أي استثمار جاد ومستدام.

في دوائر الأعمال، يقال: «السودان يمكن أن يكون سلة غذاء العالم… لكنه يختار أن يكون ساحة حرب».

 النظرة الجيوسياسية –

 ورقة في صراع القوى الكبرى

القوى الإقليمية والدولية (مثل روسيا، الصين، أمريكا، تركيا، الخليج) ترى السودان كـموقع نفوذ وليس فقط دولة ذات سيادة.

موقعه في القرن الإفريقي وقربه من قناة السويس والبحر الأحمر يجعل السيطرة أو التأثير عليه هدفًا استراتيجيًا.

الحرب الحالية جعلت السودان ملعبًا لتصفية حسابات وصراعات بالوكالة، ما يعطي صورة أن القرار السوداني ليس مستقلًا بالكامل.

النظرة الثقافية والتاريخية – أرض الحضارات العريقة

لدى بعض الأكاديميين والمثقفين في الخارج، انبهار بتاريخ السودان القديم (حضارة كوش ومروي)، ويرون فيه امتدادًا لحضارة وادي النيل.

لكن هذه الصورة الإيجابية لا تصل لعامة الناس، بسبب ضعف الترويج الثقافي والسياحي.

القليل فقط يعرف أن السودان كان في فترة من الفترات مركزًا علميًا وسياسيًا مهمًا في إفريقيا.

في إفريقيا: يُنظر للسودانيين كشعب طيب، متواضع، كريم، لكن في السنوات الأخيرة ارتبط اسمه بالنزوح والفقر.

في العالم العربي: هناك تعاطف، لكن أيضًا شعور أن السودان أصبح بعيدًا عن دوره الإقليمي المؤثر.

في الغرب: يُنظر للسودان كمكان بعيد وغير مستقر، لا يعرفون عنه إلا الحروب أو بعض الأخبار عن الذهب والنفط.

العالم يرى السودان حاليًا كمزيج بين مأساة إنسانية وفرصة ضائعة وورقة سياسية ساخنة، مع قليل من الاعتراف بإرثه الحضاري. تغيير هذه الصورة يحتاج لجهد إعلامي ودبلوماسي وثقافي كبير، بالإضافة إلى استقرار داخلي حقيقي. السؤال المطروح هل نستطيع إعادة السودان قويًا إلى مكانته على خارطة العالم؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *