السودان.. البحث عن بوصلة الخروج من دوائر الصراع يحتاج إلى قادة شجعان فقط
Admin 12 أبريل، 2025 38
محجوب الخليفة
كاتب صحفي
• في كل مرة يتراءى فيها للسودانيين أنهم اقتربوا من تحقيق الاستقرار، تشتد العواصف، وتعيدهم إلى نقطة الصفر أو ما دونها. السودان بلدٌ عالقٌ بين الطموح والمأساة، بين إرث الصراعات ونداء المستقبل، وما زال يبحث عن بوصلة تخرجه من دوائر الصراع التي أنهكته لعقود. لكن المخرج ليس مستحيلاً، بل يحتاج إلى قيادة شجاعة، تضع الوطن فوق كل الاعتبارات.
الصراع المتشابك.. جذور المشكلة
لم يكن السودان يوماً بلداً سهل الحكم، فتاريخه الحديث يُظهر أن النخب التي تعاقبت على السلطة لم تكن قادرة على بناء دولة وطنية متماسكة، بل عززت الانقسامات، وحولت السياسة إلى معارك استنزاف. هذه الأزمات ليست وليدة اللحظة، لكنها تفاقمت بسبب عوامل متعددة:
1- المليشيات والجيوش الموازية.. قنبلة موقوتة.
تُعد المليشيات والقوات الموازية للجيش السوداني من أخطر المعضلات التي صنعها نظام الإنقاذ، حيث قام بتفكيك المؤسسة العسكرية تدريجياً، واستبدلها بتشكيلات مسلحة غير منضبطة، تُوظَّف لحماية النظام لا لحماية الدولة. لم يكن الهدف تقوية الجيش، بل إضعافه، لتظل السلطة في يد فئة محددة. وحين سقط النظام، تفاقمت الأزمة، وأصبحت هذه المليشيات لاعباً رئيسياً في المشهد، ما أدى إلى تقويض الدولة وتعميق الفوضى.
2- التآمر على الجيش.. محاولة أدجلته وتشويه قوميته.
منذ سقوط النظام السابق، تصاعدت محاولات لاختراق الجيش السوداني، سواء من تيارات إسلامية تورطت فعلاً أو يسارية حاولت سابقاً منذ ستينيات القرن الماضي، كل منها يسعى لتطويعه لأجندته. الإسلاميون يريدونه ذراعاً لاستعادة نفوذهم، واليساريون يسعون لإضعافه تحت شعار إعادة الهيكلة. النتيجة كانت حرب استنزاف داخلية شوهت صورة الجيش، وقلصت دوره كضامن لوحدة السودان، وجعلته هدفاً للصراعات السياسية بدل أن يكون مؤسسة قومية محايدة.
3- العملاء في الداخل.. السودان بين مطرقة النفوذ الخارجي وسندان الاختراق الداخلي.
لم يكن التدخل الأجنبي يوماً بعيداً عن السودان، لكن الجديد هو تحول بعض القيادات المدنية إلى أدوات تُستخدم لتنفيذ أجندات خارجية. تحت غطاء الديمقراطية، اخترقت الاستخبارات الأجنبية مفاصل الدولة، ووجهت بعض القوى السياسية لخدمة مصالحها، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وزيادة الانقسام المجتمعي.
4- ثورة ضاعت بين الأيدي.. كيف فرّط الشباب في انتصارهم؟
في 2019، خرج السودانيون بثورتهم العظيمة لإسقاط نظام الإنقاذ، وكان يمكن أن تكون نقطة تحول كبرى، لكنها سرعان ما اختُرقت. سمح الشباب بأن تُسرق ثورتهم عندما فتحوا الأبواب أمام قوى لم تكن جزءاً من المعركة الحقيقية. تلاعبت النخب السياسية بهم، وأصبحت الثورة مجرد ورقة تُستخدم في صراعات النخب، حتى فقدت اتجاهها وتحولت إلى فوضى.
5- لعبة المخابرات الدولية.. السودان رهينة المصالح الخارجية.
الصراع في السودان لم يعد صراعاً محلياً فقط، بل تحول إلى ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية، كل منها تدفع بأدواتها في الداخل لتوجيه مسار الأحداث وفقاً لمصالحها. المخابرات الأجنبية تلعب على تناقضات القوى المحلية، وتدفع البلاد نحو سيناريو الحرب الدائمة، حيث لا منتصر ولا مهزوم، بل دولة تفقد سيادتها تدريجياً.
كيف نخرج من هذه الدوامة؟ الحل في الشجاعة السياسية
الخروج من هذه الدوامة يتطلب شجاعة سياسية حقيقية. لا يمكن للسودان أن ينهض ما لم يتوقف النزيف المستمر، وما لم يجلس جميع الفرقاء إلى طاولة واحدة لوضع حد لهذه المأساة الوطنية. الحل يبدأ بمؤتمر قومي جامع، يضم جميع القوى الوطنية، بعيداً عن الإقصاء والانتقام، يكون هدفه الأول هو وضع السودان فوق المصالح الشخصية والحزبية.
مقترحات لإنقاذ السودان
1- وقف الحرب فوراً: لا يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح في ظل استمرار الاقتتال. لا بدّ من إعلان هدنة حقيقية، تضمن وقف كافة العمليات العسكرية، وتهيئة الأجواء للحوار.
2- إلغاء المليشيات والجيوش الموازية: يجب تفكيك جميع التشكيلات المسلحة خارج المؤسسة العسكرية، وإعادة بناء الجيش السوداني على أسس وطنية قومية بعيدة عن الأدلجة.
3- عزل العملاء وإعادة الاعتبار للسيادة الوطنية: أي شخصية أو جهة تنفذ أجندات خارجية يجب أن تُعزل من المشهد، مع سن قوانين صارمة تحمي القرار الوطني من الاختراق.
4- تصحيح مسار الثورة وإعادتها للشعب: يجب أن يستعيد السودانيون ثورتهم، ويمنعوا النخب السياسية من استخدامها كأداة لتحقيق مكاسب شخصية.
5- وقف التدخلات الأجنبية: يجب أن يُدار السودان بيد أبنائه، لا بقرارات تُملى عليه من الخارج. وهذا يتطلب وضوحاً في الموقف السياسي تجاه القوى الإقليمية والدولية، وإدارة العلاقات معها بميزان المصالح الوطنية فقط.
6- الالتفاف حول القادة الشجعان: المرحلة القادمة تحتاج إلى قيادات تمتلك الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات تاريخية. لا مكان للمترددين أو الانتهازيين، فالسودان بحاجة إلى رجال دولة، لا إلى رجال سياسة.
هل نجد قادة شجعان؟
السؤال الجوهري في كل هذا: هل لدينا قادة شجعان؟
إن الخروج من دوائر الصراع لا يحتاج إلى حلول ترقيعية أو وعود زائفة، بل إلى قرارات جريئة، ومواقف وطنية صلبة. السودان بحاجة إلى زعماء يفكرون في الأجيال القادمة، لا في الانتخابات القادمة، زعماء يقدمون التضحيات، لا أولئك الذين يجيدون فن الخطابات الجوفاء.
إذا وُجد هؤلاء القادة، فإن السودان قد يجد أخيراً بوصلته، ويخرج من هذا النفق المظلم نحو وطن مستقر، آمن، ومستقبل يستحقه شعبه.
شارك المقال