السودانيون.. بين الفخر بالمناصب وازدواجية المهام

44
عوض الكريم فضل المولى

عوض الكريم فضل المولى

كاتب صحفي

• يحتل المنصب العام مكانة خاصة عند المجتمع السوداني، ليس بالضرورة لما يقدمه من إنجازات، بل لما يحمله من قيمة رمزية واجتماعية (ولدنا زولنا). يكفي أن يُذكر اسم شخص مقروناً بكلمة «وزير»، أو «مدير»، أو نائب برلمان ولائي، أو قومي وعضو اتحاد. حتى يصبح موضع فخر للعائلة والحي أو المحلية أو الولاية والقبيلة والحزب والطائفة الدينية، بغض النظر عن أثره الفعلي على حياة الناس ومستواه العلمي، أو مساهماته في تطوير المؤسسة التي يقودها.

هذه الظاهرة تعكس ثقافة مجتمعية متوارثة، أصّلت لها سياسة القطيع منذ الاستعمار إلى اليوم، ترى في اللقب نهاية المطاف، لا وسيلة لتحقيق إنجاز. فقلّما يُسأل المسؤول: «ماذا أنجزت؟»، بل غالباً يكون السؤال: «أها، إنت ماسك شنو هسه؟» وكأنّ قيمة الفرد تُقاس بالمسمى الوظيفي لا بالمردود العملي.

ازدواجية المهام وتضارب المصالح

إلى جانب الفخر الشكلي، هناك ظاهرة أخرى أكثر ضرراً: ازدواجية المهام. فكثير من المسؤولين يجمعون بين أكثر من وظيفة أو دور في وقت واحد، ما يفتح الباب لتضارب المصالح، ويضعف كفاءة الأداء. 

فالمسؤول الذي يقسّم يومه بين إدارة وزارة، والإشراف على مشروع خاص، والمشاركة في لجنة سياسية، يصعب أن يؤدي أيّاً من هذه الأدوار بكفاءة.

في الحياة اليومية، المشهد أحياناً يتحول إلى كوميديا اجتماعية. تسمع في المجالس:

 «ولدنا ما شاء الله، ماسك وزارة، وعنده شركة، وكمان رئيس لجنة»، وتُقال بنبرة فخر، كأنها وسام شرف، بينما النتيجة على الأرض: لا الوزارة متقدمة، ولا الشركة مفيدة، ولا اللجنة عاملة حاجة.

المضحك المبكي أن بعض المسؤولين صاروا أشبه بـ»السوبرمان»، لكن بدون قدرة على الطيران أو إنقاذ أحد، بل قدرة على الظهور في كل مكان دون إنجاز يذكر.

ما لم يتحول الفخر من اللقب إلى الإنجاز، وما لم يُحصر المسؤول في مهمة واحدة واضحة، سنظل ندور في حلقة من الألقاب الكبيرة والأعمال الصغيرة. حينها، قد نجد أن الفخر الحقيقي ليس بمنصب الشخص، بل بقدرته على ترك أثر إيجابي يلمسه الناس في حياتهم.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *