«الزار».. ظاهرة اجتماعية لعلاج حالات مرضية غير طبيعية

86
pic0000
Picture of بقلم: أمل عبد العزيز سعد

بقلم: أمل عبد العزيز سعد

• الزار ظاهرة اجتماعية ناتجة من اعتقاد نفسي كامل بوجود قوة خفية من الأرواح من غير الجن والشياطين، تحلُّ وتسكن في الإنسان ذاته، وتعلن أنها تريد بعض المطالب أو ما يسمِّيه أهل الزار بـالطلبات من الفرد المعين لتزيل عنه أي حالة مرضية غير طبيعية؛ وبمجرد حلول هذه الأرواح في الفرد فإن شخصيته تصبح مطابقة للروح التي حلَّت فيه، وحينها نجده يتحدث بلسان هذه الأرواح، ويخضع لتصرفاتها وسلوكها.

والخطأ الفادح يكمن في الاعتقاد بأن هذه الروح الشيطانية لها رغبات يجب أن تلبَّى، وإلا أزعجت من خالطته، فيصير مضطرباً وقلقاً، فحينئذٍ يطلق عليه مريض الزار أو «المدستر».

ابتزاز متواصل

 الخطر الحقيقي يتمثَّل في أبدية الحلول، بمعنى استمرارية الأرواح وإلحاحها الشديد على تنفيذ رغباتها، وإجابة طلباتها، والحصول على ما تريد من الشخص الذي حلَّت فيه. وهنا نقطة مهمة تجدر الإشارة إليها، وهي أن هذه الأرواح أو كما يسمونها (روح الزار) أو الريح الأحمر لا تفارق الشخص المدستر أو المريض، حتى بعد إجابة طلباتها وتنفيذها، بل تدخل معه في ما يُشبه الصلح ويعود بعده المريض إلى حالته العادية لفترة، ثمّ تعود لإزعاجه مرَّةً أخرى بعد فترة، حتى تُصبح هذه الطلبات نوعاً من الابتزاز الذي لا نهايةَ له.

شيخة الزار 

أهم شخصية لها وزنها وفاعلة جداً في عملية الزار هي الشيخة، ويسمُّونها (شيخة الزار)، وأحياناً يقوم بدور الشيخة رجل ويسمَّى شيخ الزار، وفي الغالب الأعم تكون الشيخة امرأة، وتكون لها مساعدات يعملن تحتها، وغالباً ما تربطهن بالشيخة الكبيرة صلة قرابة أو نسب. وتحصل شيخة الزار على هذا المنصب بعد أن تقضي فترة طويلة مساعدة لشيخة زار أخرى، وبعدها يتمُّ تفويضها من قبل الشيخة القديمة لتحيي قسماً خاصاً بها لنشاط الزار؛ وهذا التفويض يعد أهم شرط من شروط تتويج الشيخة الجديدة ولها مؤهلات خاصة، تتمثل في أن تكون ذات شخصية قوية ومؤثرة على المعتقدين في الزار، وخاصة النساء اللائي يُمثلن الغالبية العظمى. كما لا بدّ من أن تكون الشيخة الجديدة قد أصيبت بالزار مسبقاً وأقامت حفل زار وفاءً وعرفاناً للزار، لأنه أعطاها حياة جديدة بعد أن كادت تموت أو تفقد عقلها بإصابتها بالزار.

أنواع الأرواح

الأرواح نوعان، فهناك أرواح «الريح الأسود»؛ ويقصد بها مجموعة أرواح الجن والشياطين، والتي يعتقد أنها تسبب الجنون عندما تحلّ بإنسان ما. ولا يعالج إلا بإخراجها من جسده، ويتصف صاحبها بقذارة الملبس، والبعد عن النظافة. أما النوع الثاني فهو أرواح الريح الأحمر، ويقصد به مجموعة الأرواح الأخرى دون الجن والشياطين، والتي حين تمسُّ فرداً بعينه تسبب له اختلالاً أو قلقاً نفسياً، والذي قد لا يصل لحدِّ فقدان العقل، وعلاجه يتم عن طريق الشيخة  بإقامة حفل زار، أو ذبح كرامة كما، أو التردد على حفلات الزار والنزول فيها. ومن الحالات الخفيفة التي تعتمد على إطلاق البخور فقط. وتتسم بأنها نظيفة، وتحب الفرح والأشياء الجميلة.

تشخيص حالة الزار 

الشيخة هي الشخص الرئيسي أو المباشر الذي يشخص حالة الزار بطريقة روحانية تسمّى «العلق»، وهي غالباً ما تكون قطعة من ملابس المريض. وتتم بأخذ علق المريض، وتضعه الشيخة تحت جبينها ليلاً قبل أن تنام، فتأتيها أرواح الزار في النوم والذين لهم دور مباشر في التسبب بالمرض، ويتحدثون إليها عن المريض وسبب مرضه، ويعلنون عن طلباتهم ويطالبون بتلبيتها كيما يتم علاج المريض، وغالباً ما تكون الطلبات عبارة عن إقامة حفل زار، أو كرامة، أو إحضار ملابس أو عطور. والشيخة بدورها تبلغ أهل المريضة. 

مجموعات الزار وأقسامه 

ينقسم الزار إلى عدة مجموعات وأقسام، أهمها: زار الدراويش، والستات، والحبش، والعرب، والسحاحير، والخواجات. ولكل مجموعة منها نوع من «الخيوط» خاص بها، ويميزها عن غيرها من المجموعات. والخيط المقصود به أغنية الزار أو دعوة الروح الخاصة بالزار.

وكل مريض بالزار له خيط خاص به،  ولكل مجموعة طلبات تختلف عن الأخرى، والخيوط (أغاني الزار) غالباً ما تتضمن كلماتها طلبات المجموعة المعنية. والتماس الطلبات يقع على عاتق الشيخة، وبتنفيذ الرغبات والطلبات ترضى روح الزار عن المريض فيعالج، لأن معرفة الطلبات هي مفتاح العلاج.

أنواع حفلات الزار 

حفلات الزار أنواع تقام في حالات خاصة، مثل:

1- حفل زار خاص أو كرامة، وتقام عندما تحدد الشيخة إصابة المريض بالزار، ويكون الحفل مفتوحاً للجميع.

2- حفل زار عام، وتتم عندما تكون هنالك رغبة جامحة عند «المدسترين» بإحياء حفل زار، وغالباً ما يكون عند انقطاع حفلات الزار الخاصة.

3- هناك حفل زار سنوي في شهر رجب، تقيمه الشيخة في العاشر من رجب بمناسبة انتهاء العام لنشاط الزار، ففي شعبان ورمضان خاصة يتوقف نشاط الزار.

والتفسير الوحيد لهذا المسلك أن الجن والشياطين وأرواح الزار تكون مقيّدة في شهر رمضان.

عادات الزار وطقوسه  

أولاً: تحدد الشيخة موعد قيام حفل الزار، وتخطر أهل المريض في حالات حفل الزار الخاصة، ويتم حضور المدعوين سواء أكانوا من مرضى الزار (المدسترين) أو غيرهم في الثانية ظهراً، لأن حفلات الزار عادةً تبدأ نحو الساعة الثالثة ظهراً داخل منزل الشيخة أو منزل المدستر، ويكون داخل حجرة طويلة، أو برندة مغلقة (غير مكشوفة). ومن أهم معدات الزار:

 الطبلة: وهي الأداة الرئيسية، وإحضارها من اختصاص الشيخة، وتقوم بالضرب عليها مساعدة الشيخة، الكشكوش: وتضرب عليه أيضاً إحدى المساعدات، والمبخر والبروش للجلوس عليها، والعصا للنزول بها، والكرسي وهو من معدات الحفلات الخاصة، ويقصد به طلبات الزار التي يحضرها أهل المُكرِّم كهبة للزار، توضع فوق الكرسي، وتُغطَّى بقماش أبيض حتى يحين موعد بداية الحفل، فتزيل الشيخة الغطاء عن الكرسي وتقوم بمعاينته، وعند التأكد من تمام الطلبات تأخذ مكانها قرب الطبلة ويبدأ الحفل. وتكون بداية الحفل بعد دق الطبلة بترديد أو غناء الخيط، ويردده وراء الشيخة مساعداتها وجميع الحاضرين، ويستمر بين الثلاث والخمس دقائق وهي قابلة للزيادة في بعض الأحيان، وينزل المريض أو المدستر.

الزي الخاص 

لكل مجموعة من المدسترين زيٌّ خاصٌّ بها، وهذا شيء يلتزم به المريض، لأنه جزء مهم من طلبات الخيط أو الروح التي تتمُّ مناداتها، وهو جزء من محاولة إرضاء روح الزار، وبيان احترامه له.

 «الخيط»

الخيوط عبارة عن مجموعة من الكلمات المنظومة في أغانٍ قصيرة، لا تتعدَّى البيت أو البيتين، وتشتمل في بعض الأحيان على ألفاظ مبهمة غير معروفة.

والغالبية من المدسترين لهم خيط واحد لا ينزلون إلا فيه، ولكن هناك بعض أهل الزار الذين لهم أكثر من خيط واحد، والنزول في خيط يساعد الشيخة على تلمُّس طلبات الزار، فهذه المجموعات مرادفة لتقسيمات تقوم على نوع المطالب الخاصة بكلِّ مجموعة. وعلى سبيل المثال تكون أكثر طلبات السحاحير اللحم الني، والخواجات الخمر والسجائر والبدلة والطربوش الأحمر، والعرب ويُقصد بهم الهدندوة، السوط والجلابية والخنجر والخُلال. والستات تنحصر طلباتهم في العطور والفساتين والمجوهرات وهي أغلى. 

أغاني الزار (النزول) 

أغنية الزار على إيقاع صوت الطبل والكشكوش وصوت الطشت النحاسي تكون شديدة التأثير على الحاضرين، وتدفع الحاضرين للتجاوب، فيتم النزول في الخيط بتأثيره على المصاب بالزار (المدستر) وشل حركته، ثم يبدأ اهتزاز في أطرافه، ويطلقون عليه في هذه الحالة أنه (اتلبش)، ثم يهتز جسمه بأكمله وينزل في وسط الحلقة، وهنا يقال إنه نزل، وغالباً ما ينزل بدون ارتداء زي الزار الرسمي، أما إذا كان يملكه فيرتديه قبل النزول أو أثناءه، وإذا لم يعد معنى ذلك أن هنالك طلبات أخرى يفصح عنها بعد حين قليل من الوقت. 

 العالم الخفي

 أرواح وأشباح أولاد ماما. وحلاوة بيه من أكثر الشخصيات طرفة فى عوالم الريح الأحمر. 

أما حكيم باشا فينتمي للخواجات،  ويجعل المرأة  تتحدث الإنجليزية بطلاقة.

ويتكون بخور الزار من الجاولي والعدني والمر الحجازي والعودية.

الكرامة 

الكرامة في الحفلات الخاصة وحفلة الرجبية، تعني ذبح خروف بعد تهيئته للذبح، وذلك بإعطائه ماء للشرب، ويطلى باللون الأحمر (بالحناء) على الذيل والجبهة، وعندما يهم الذابح بذبح الخروف يضع في فمه قطعة نقود أو قماش، حتى لا ينسى الالتزام بعدم ذكر بسم الله عند الذبح كالعادة المتبعة في الذبح، اعتقاداً منهم بأن (بسم الله) ستمنع أرواح الزار من الوقوف على كرامتهم التي ذبحت قرباناً لهم، وبعد الذبح يتعدى المكرم الذبيحة عدة مرات، ويُسمّى فكَّ العارض، ثم بعد ذلك يؤتى بصحن أبيض توضع فيه كمية من الدم، وتأخذ الشيخة كمية بسيطة من الدم بأصبعها وتضعه فوق جبهة المكرم قائلة: سلامتكم، إيذاناً بالشفاء، ثم تكوِّن الشيخة صفاً قصيراًِ يدور حول الكرامة أو الذبيحة، مرددة: كرامة مقبولة إن شاء الله، ثم تعود أدراجها لإكمال ما تبقى من الحفل. ويجب على المريض أن يلزم بيته أو بيت الشيخة بعد الحفل لمدة ثلاثة أيام على الأقل.

 الزار بين الطب والدين

يصنف الزار من قبل الأطباء بأنه حاله نفسية تجسّدية، أو نوع من انفصام الشخصية، أو التقمص المرضي. 

أما رجال الدين فيعرفونه بأنه عبارة عن لبس شيطاني، أو مسٌّ، أو جنٌّ عاشق. 

اعتقاد خاطئ

يعتقد كثيرون من مرتادي الزار أن هناك صلة وثيقة بين الزار والدين الإسلامي، على أساس أنه في حدِّ ذاته طريقة علاج وفق العرف الديني، ولكن هذا خطأ كبير لا يمكن تجاوزه، إذ أنه لا توجد أدنى صلة لا من قريب ولا من بعيد بين الزار والدين الإسلامي، لأن الزار بكل حيثياته وطقوسه لا يرتكز على أي قاعدة دينية، بل ليس له ما يبرره من الناحية الدينية، فالطريقة التي تتبع لمعالجة أمراض الزار وما يصاحبها من طقوس ونشاطات، كلها مخالفة لشرع الله، من رقص وغناء ودق الطبول والتبرُّج السافر والاختلاط غير اللائق، ومسح الدم على الجبين، ومنع الذابح من ذكر اسم الله على الذبيحة، فالذبائح تقدّم قرابين لأرواح شياطين الزار، وهذا يدخل في جُملة البدع والأعمال الشيطانية التي تشغل الناس عن دينهم، وتعوق عباداتهم، وتصدهم عن طريق الرشاد وفعل الثواب؛ لأنها لا تربط الفرد المصاب بأي شعيرة دينية من صلاة أو دعاء أو أي وسيلة تقرب إلى الله أو طريقة علاج قرآنية مثلى.

كيف يتم العلاج؟

العلاج الذي على المسلم أن يفعله هو التوكل على الله، والثقة به وحده، والإيمان بهدايته. أما العلاج والتداوي فيطلب بالطرق التي أقرها الشرع، لا بمخالفته.

 

شارك التحقيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *