الزار… ذاكرة طفولة وتأمل في طقس نسوي غامض

67
يوسف عبدالرضي2

يوسف عبدالرضي

شاعر وكاتب صحفي

• لست مؤرخًا ولا باحثًا أكاديميًا، ولا أدّعي الإلمام بكل تفاصيل هذا الطقس العتيق الذي يُعرف بـ»الزار»؛ لكنني أحمل عنه صورة محفورة في الذاكرة، صورة من الطفولة، حين كنا نطل خلسة من النوافذ لنرى نساء الحي يرقصن في وسط الدار على إيقاعات غريبة، ساحرة، مألوفة وغير مألوفة في آن.

الكلمة نفسها – «زار» – تُقال إنها مشتقة من الجذر «زار / جار»، بمعنى «الزيارة» أو «الجار السماوي»، أي الكائن الغيبي. وهناك من يقول إنها كلمة عبرية قديمة تعني «الغريب». مهما يكن أصل الكلمة، فإن معناها الاجتماعي والثقافي كان واضحًا في حياتنا اليومية: الزار كان حدثًا، وكان مكانًا، وكان حالة.

في طفولتنا، كان «بيت الزار» أو كما يُسمّى أحيانًا «الميز»، عالمًا لا يدخله الرجال. 

عالم نسائي صرف. كانت النساء هناك يتصرفن بحرية لم نكن نراها في الحياة اليومية: يدخنّ السجائر بشراهة، يرقصن بحركات فيها شيء من العنف، شيء من الانعتاق، كأنهنّ يُفرغن في ذلك الفضاء كل ما كُبِت طويلًا. 

اللافت أن الحلقة تنتهي دائمًا بما يُعرف بـ»طلبات أولاد ماما» – وهي مطالب غريبة، خارجة عن المألوف في مجتمع النساء، وكأنَّ المرأة هناك تطلب ما لا يمكن أن تطلبه في زمنها العادي. كانت هذه الطقوس تحمل شحنة تعبيرية عالية، علاجية أحيانًا، غيبية أحيانًا، ولكن دائمًا ذات وظيفة اجتماعية وروحية لا يمكن تجاهلها.

أتذكر أغنيات مثل:

• أحمد البشير الهدندوي

توبو توب حرير ألهدندوي

أو:

• اللول اللول اللول يالولية بسحروك يا لولي الحبشية

تتردد مع الطبول، مع الدفوف، مع الرقص… وكأنَّ الكلمات تُستدعى من عالم آخر، عالم الزار.

ولعل المثير أن الزار موجود في أكثر من مكان: مصر، السودان، إثيوبيا، وربما هذا يفتح بابًا للتأمل – هل هو مجرد طقس؟ أم أنه جزء من نسيج ثقافي مشترك بين شعوب حوض النيل؟ (وإن كنت أمزح أحيانًا وأقول: لعل له علاقة بخلافات مياه النيل بين المنبع والمصب!). 

عندما كبرنا، لم نعد نجرؤ أن نقترب من بيوت الزار، صار الأمر غامضًا ومخيفًا ومحرَّمًا أكثر من ذي قبل. لكن شيئًا ما بقي في الذاكرة. والآن، أجدني أرغب أن «أهبش» هذا الموضوع، أن أعود إليه، لأفهم أكثر.

 

شارك المقال

1 thought on “ الزار… ذاكرة طفولة وتأمل في طقس نسوي غامض

  1. الأخ الصديق الأستاذ / يوسف عبد الرضي… توثيق قيِّم من ذكريات الطفولة البضّه.. ينقصه إستنكار وإستقباح هذه الأفعال التي تقود إلى الشرك بالله – والعيازة بالله – فهؤلا النسوة يستجرن بالجان ويعتقدن في انه يُصْلِح ويضر وفي سبيل إرضاء هذا الجن المتوهم يرتكبن عددا من الموبقات ويأكلن النيّة ويشربن الدم ويفعلن كل ما يأمرهن به شيطانهن. نسأل الله السلامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *