الثقافة مفتاح الحل في السودان ٢-٥

59
يوسف عبدالرضي2

يوسف عبدالرضي

شاعر وكاتب صحفي

• عندما نتحدث عن الثقافة، فإننا لا نعني فقط الأدب والموسيقى والفنون، بل نقصد كل حركات  المجتمع وسلوكياته في حياته اليومية، من نمط الغذاء، إلى طريقة الترحاب والوداع، إلى الزي الشعبي، والعادات، والتقاليد، بل حتى طريقة الجلوس والتعامل مع المكان والزمان. هذه التفاصيل، على بساطتها الظاهرة، تُشكّل في مجموعها النسيج الحي للثقافة السودانية.

الثوب السوداني- على سبيل المثال- ليس مجرد زي، بل هو رمز ثقافي متكامل، يحمل دلالات تتعلق بالهوية، والجمال، والمكانة الاجتماعية. والمائدة السودانية، بما تحتويه من تنوع مدهش في الأطباق والمكونات، تعبّر عن ثقافة غذائية عريقة، امتزجت فيها الجغرافيا بالتاريخ، والتنوع بالوحدة. أما الألعاب الشعبية، فليست مجرد تسلية، بل هي مرايا تعكس عبقرية المجتمع في إنتاج الفرح، رغم البساطة وشظف العيش.

من هنا، فإننا ندعو إلى مشروع ثقافي سوداني متكامل، يقوم على تأصيل هذا التنوع، ويعمل على توثيقه، وإبرازه كعامل قوة، لا سبب ضعف. فالسودان، بحجمه الواسع وتعدد أقاليمه وأعراقه ولهجاته، غني بتراث ضخم لو أُعيد تقديمه ضمن رؤية موحدة، لأصبح عنصراً جامعاً لا مفرّقاً.

المطلوب ليس تذويب الخصوصيات المحلية، بل جمعها في بوتقة واحدة تحت مسمى الثقافة السودانية، بوصفها هوية جامعة لا تقصي أحداً. هو مشروع يرى في التنوع الثقافي ثروة وطنية، وفي التباين الجغرافي مصدر إلهام. 

فليكن هناك توثيق للموسيقى التي تُغنى في الجبال والسهول والبوادي، وتسجيل للزي الشعبي في كل منطقة، ورصد لعادات الأكل والاحتفال والمشاركة الاجتماعية، وتنظيم للمهرجانات والمعارض التي تُبرز هذا التنوع للعالم.

بهذا المشروع، لا نكون فقط قد أعدنا تعريف أنفسنا أمام الداخل، بل سنقدّم للعالم إرثاً ثقافياً سودانياً متفرداً، يسمع فيه صوت النيل، ويشتمّ فيه عبق الصحراء، ويشاهد فيه الإنسان السوداني وهو يخطّ تاريخه الخاص، بلونه وصوته وروحه.

نعم، إن مفتاح الأزمة السودانية يكمن في الثقافة. فالثقافة هي الأرض المشتركة التي يمكن أن تلتقي عليها كل الانتماءات، دون صراع، ودون وصاية. عندما نحتفي بتنوعنا الثقافي، نكون قد بدأنا في تفكيك جذور الأزمة، وبنينا أساساً لوحدة حقيقية تقوم على الاعتراف، والاحترام، والانتماء العميق لهذا الوطن المتعدد الوجوه، الواحد في روحه.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *