التحول الزراعي في السودان: من الإعاشة إلى التنمية

77
عبدالمنعم علي قسم السيد

د. عبدالمنعم علي قسم السيد

المستشار الوطني لاستراتيجية التحول الزراعي المستدام SATS

• التحول الزراعي هو جهد حكومي محض، لتحويل الزراعة من مجرد وسيلة للإعاشة وكسب العيش للسكان الريفيين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان، إلى نشاط اقتصادي يتميز بمقدرته على  تحسين القدرات الإنتاجية كماً ونوعاً،  وخلق تميز تنافسي مستدام لمنتجات القطاع الزراعي في الأسواق  الخارجية الإقليمية والعالمية، وبالتالي زيادة مداخيل المزارعين  وإخراجهم من دائرة الفقر، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص العمل للسكان على مستوى القطر، وتحقيق التنمية المستدامة والنمو المضطرد للاقتصاد الوطني، ونقل السودان إلى مصاف الدول متوسطة الدخل في المدى المتوسط. 

ولتحقيق التحول الزراعي لا بدّ من إحداث نقلة نوعية في سياسات وأنظمة الإنتاج واستخدامات الموارد والتقنيات الزراعية، مع ضرورة توفر قوة الإرادة السياسية، والالتزام الحكومي المطلق والمستمر في مواجهة المجموعات صاحبة النفوذ المالي والسياسي في القطاع الزراعي، التي تمثل المهدد الرئيسي لاستكمال إنجاز التحول الزراعي.

وتنبع الحاجة للتحول الزراعي من أهمية القطاع الزراعي، الذي يرتبط بعلاقة معنوية مباشرة مع نمو الاقتصاد القومي، من خلال نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص العمل وزيادة الدخل للمزارعين والقوى العاملة المرتبطة بالقطاع، وتحقيق الأمن الغذائي كماً ونوعاً، ومحاربة الفقر. ومن حيث أن سلاسل القيمة  الزراعية تمثل المحرك الرئيسي لقطاعات الاقتصاد الصناعية والخدمية والتجارية، من خلال الطلب على التقنيات الزراعية ومدخلات الإنتاج والنقل والترحيل  والتصنيع الزراعي والغذائي. ولكون القطاع الزراعي- إلى جانب خلله البنيوي، المتمثل في ثنائية الأنظمة الزراعية بوجود قطاع زراعي حديث (القطاع المروي) وقطاع تقليدي (القطاع المطري) وعلاقات الإنتاج الرأسمالية غير الملائمة للخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمزارعين- قد عانى خلال العقود الثلاثة الماضية من تغيير التشريعات والسياسات الاقتصادية والزراعية، وتغيير قوانين المشروعات المروية القومية (الجزيرة وحلفا والسوكي والرهد)، ومن سياسات الخصخصة؛ التي نتج عنها بيع الكثير من الأصول الإنتاجية والخدمية  لهذه المشروعات الأربعة، ومن وقف التمويل الرأسمالي لها، وتآكل بنياتها التحتية، ووقف التمويل التشغيلي الحكومي، وإجبار هذه المشروعات على قبول نظام الزراعة التعاقدية مع الشركات الرأسمالية الطفيلية المملوكة للمستثمرين من ذوي الولاء السياسي والارتباطات الحزبية بنظام الإنقاذ المباد. 

ومن جراء ذلك، تضاءل دور القطاع الزراعي في المساهمة في الاقتصاد الوطني، حيث انخفضت نسبة مساهمته إلى أقل من 20% مقارنة بأكثر من 50% عندما كانت الحكومة ملتزمة بتوفير تمويل ميزانيات التنمية والتشغيل لمشروعات القطاع المروي القومية،  التي كانت تمثل العمود الفقري للقطاع، والمصدر الرئيسي للعملات الصعبة وإيرادات الخزينة العامة.

عليه وحيال ما تقدم ذكره من تحديات تعوق مقدرة القطاع الزراعي على تحقيق التنمية المستدامة، فإن التحول الزراعي قد أصبح ضرورة وليس خياراً من أجل نهضة زراعية شاملة، تمثل الأساس لاقتصاد مزدهر وتنمية متوازنة ومجتمع متطور ومواكب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *