
الناجي حسن صالح
رئيس التحرير
• في خضم الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة التي يعيشها السودان، برز “مشروع” نيروبي بين بعض الأفراد والأحزاب السياسية وميليشيات الجنجويد، المعروفة بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذا التحالف، الذي تم الإعلان عنه في ما يُعرف بـ(إعلان نيروبي)، يمكن وصفه بأنه تحالف عدواني، انتهازي وانفصالي.
يُعتبر هذا التحالف عدوانياً بسبب ارتباطه الوثيق بميليشيات الجنجويد، التي ارتكبت جرائم مروعة في دارفور وغيرها من مدن السودان ومناطقه المختلفة. هذه الميليشيات، التي تحولت لاحقاً إلى قوات الدعم السريع، كانت أداة قمع منذ ولادتها، واستخدمت العنف الممنهج ضد المدنيين، بما في ذلك القتل الجماعي، التهجير القسري، والاغتصاب وما زالت تمارس الانتهاكات ذاتها، ولم يسلم منها أحد حتى المجتمعون في نيروبي.
في إعلان نيروبي، تعاون بعض الأفراد والأحزاب السياسية مع هذه الميليشيات، مما يعكس استعدادهم لتجاهل جرائمها الماضية والحاضرة من أجل تحقيق مصالحهم. هذا التعاون يُمثل استمراراً لسياسة العنف والقمع التي مارسها الجنجويد لعقود، والتماهي مع ممارساتهم البغيضة وارتضاءهم لها. ويُظهر أن هذا التحالف لا يهدف إلى تحقيق السلام أو الاستقرار، بل إلى تعميق الفوضى والصراع وحتى الانخراط والغوص فيهما.
كما يُصنف هذا التحالف على أنه انتهازي، حيث إن العديد من الأفراد والأحزاب المشاركة فيه تسعى لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية على حساب المصلحة الوطنية. بعض هذه الأطراف لا وزن لها، وتبحث عن موطئ قدم في زمن الهوان وسفور التفاهة، كما أن البعض الآخر يسعى لاستعادة نفوذه السياسي والاقتصادي من خلال هذا التحالف الزنخ.
إن بعض القيادات السياسية التي شاركت في إعلان نيروبي كانت متورطة أصلاً في الفساد والاستبداد خلال فترات الحكم السابقة، وهم يرون في هذا التحالف فرصة للعودة إلى السلطة بعباءات جديدة بلا دنس عهيد ينضح منها. بالإضافة إلى ذلك، هناك أحزاب سياسية تسعى لتحقيق مكاسب إقليمية أو اقتصادية، خاصة في ظل التنافس على الامتيازات الموروثة.
والغريب في الأمر أن بعض ممثلي الأحزاب، التي تستند إلى مرجعية إسلامية، ارتضت التسليم بعلمانية الدولة الموازية، في بلد غالب مواطنيه من المسلمين!!! بعد التوقيع على ما يسمى الميثاق السياسي لتحالف السودان التأسيسي. فلا ديمقراطية أصابوا ولا ديناً أدركوا.
هذه الانتهازية تُظهر أن المشاركين في هذا التحالف لا يهتمون بمستقبل السودان أو بمعاناة شعبه، بل يسعون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد ووحدة أراضيها.
كما يُعدّ هذا التحالف انفصالياً بجلاء، حيث أنه يسعى لإعلان دولة موازية في مناطق معيّنة من السودان، تخضع لسيطرة أسيادهم الجدد، خاصة في دارفور. هناك مؤشرات على أن بعض الأطراف المشاركة في هذا التحالف تسعى إلى تقسيم السودان إلى كيانات سياسية متعددة، مما يزيد من حدة الصراع، ويعمق الأزمة الإنسانية.
فإعلان دولة موازية في دارفور، قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات الإثنية والثقافية في المنطقة، حيث إن دارفور تضم مجموعات عرقية متعددة ذات مصالح متضاربة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعلان دولة موازية، يجعل من الصعب تحقيق أي تسوية سياسية شاملة في المستقبل مع هذه الفئة المعادية للشعب السوداني.
هذا التحالف قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، فهو يعتمد على العنف والقمع كأدوات لتحقيق أهدافه الجنجويدية. وهذا سيؤدي بدوره إلى مزيد من القتل، والتهجير، والمعاناة للمدنيين. وهي أهداف معلنة لا يأبه لتبعاتها المناصرون في كينيا.
وفي الجانب الآخر، فإن المجتمع الدولي سيرفض الاعتراف بأي دولة موازية تنشأ عن هذا التحالف، خاصة بسبب ارتباطه الوثيق بهذه المليشيا التي ارتكبت جرائم حرب، ومسؤولة عن جرائم الإبادة الجماعية المخبأة في أضابير المنظمات الدولية.
لذلك فإن إعلان نيروبي يمثل تحالفاً عدوانياً انتهازياً وانفصالياً، حيث إنه يعتمد على العنف والقمع لتحقيق أهدافه، بقيادة ودعم مليشيا موغلة بإمعان في كل دماء السودانيين التي أريقت.
إلا أن هناك ذاكرة جمعية شعبية حية ومتقدة، خلّفتها مرارات متراكمة من البشاعة والقبح، لن تسقط بالتقادم، ولا بإعلان دولة موازية على الورق.
شارك المقال