التجار الجلابة في تقلي .. إسهام التنوع الإثني والتبادل التجاري (3)

217
د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• سياسياً كان معظم  التجار الجلابة ينتمون إلى الطريقة الختمية، وبطريقة أو أخرى إلى (الحزب الاتحادي) بعد تكوينه، وفي تطوراته وانقساماته واتحاداته وإعادة تسمياته، ويسكنون بالقرب من السوق في أحياء تسمَّى غالباً (حي السوق)، ولديهم مجتمعهم الخاص (مجتمع المال والأعمال والصفقات والمضاربات التجارية)، ويتزاوجون في الغالب فيما بينهم، ويتزاوجون مع السكان المحليين بصورة أقل، وإن كانوا يتشاركون مع السكان الأصليين الحياة الاجتماعية بصورة أو أخرى، والسياسية، والدينية، والرياضية، فتجدهم يحتفلون معاً بالمناسبات الدينية والأعياد واحتفالات المولد النبوي؛ نسبة لانتمائهم جميعاً إلى ديانة مشتركة هي (الديانة الإسلامية) على النهج الصوفي، بالرغم من اختلاف الطرق الصوفية، فمعظم السكان المحليين ينتمون إلى الطريقة القادرية، والتجانية، والسمانية، أمَّا التجار والرأسمالية القادمون من شمال السودان ووسطه، فكان غالبيتهم ينتمون إلى الطريقة الختمية بقيادة آل الميرغني، وحاولوا أن ينشروا الطريقة الختمية ويدخلوا السكان الأصليين في الحزب الاتحادي (بعد بداية تكوين الأحزاب السودانية)، ونجحوا إلى حدٍّ ما في توجيه الناس تجاه الحزب الاتحادي – نسبة إلى موقف السكان الأصليين من حزب الأمة والمهدويين عموماً – باعتبار أن المهدي والخليفة عبدالله غدرا بالمك آدم أم دبالو في العهد المهدوي ولم يفيا بالوعد الذي وعداه لتقلي كما ذكرنا في مقال سابق.

ومما يدل على نجاح التجار الجلابة  في توجيه الناس إلى الحزب الاتحادي، أنه في أول انتخابات برلمانية في السودان عام ١٩٥٣م، كان جميع الفائزين في الدوائر ينتمون إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي.

والفائزون هم: 

1/ إدريس الزيبق جيلي – عن الحزب الوطني الاتحادي، في «دائرة تقلي شمال» (العباسية تقلي).

2/ آدم نور الدين – عن الحزب الوطني الاتحادي، في «دائرة تقلي وسط» (رشاد).

3/ محيي الدين الحاج محمد – عن الحزب الوطني الاتحادي، في  «دائرة تقلي جنوب» (أبوجبيهة). 

وكان الخليفة عبد القادر صالح سليمان أول من جاء بالطريقة الختمية إلى منطقة رشاد (سبق وأن قلنا إنَّ شيوخ الختمية صاهروا مكوك تقلي سابقاً، ونصَّبوا المك آدم جيلي (١٩٢١- ١٩٧٠م) خليفة للختمية في تقلي).

وممَّا سهل عملية اندماج مجتمع التجار الجلابة الجدد مع مجتمع تقلي بسهولة ويسر التعامل بينهم، بالإضافة إلى العامل الديني (كلهم ينتمون إلى دين واحد هو الإسلام)، ولكنَّ العامل الآخر هو أسطورة تأسيس مملكة تقلي، فالأسطورة تقول إنَّ الذي أدخل الإسلام إلى تقلي، وحوَّل الناس إلى الدين الإسلامي، وأسَّس المملكة الإسلامية، هو رجل جعلي رباطابي من شمال السودان، هذه الأسطورة جعلت من وجود هؤلاء التجار الجلابة الجدد ليس غريباً، طالما أنَّ هناك قريباً لهم قد أتى منذ قرون، واختلط بالناس، وأصبح جزءاً منهم، لذلك استقبل الناس هؤلاء التجار الجلابة الجدد بالحفاوة، فلا هم وجدوا أنفسهم غرباء في ذلك المجتمع، ولا المجتمع نظر إليهم كغرباء. ولا يزال الناس في تقلي وخاصة كبار السن يذكرونهم بالخير، ويثنون عليهم، بالرغم من أنَّ معظمهم قد هاجر إلى خارج تقلي، واستقروا في مدن سودانية أخرى، ونقلوا تجارتهم إلى هناك.

والجدير بالذكر أنَّ مجتمع التجار والموظفين قد ازداد نفوذاً وتأثيراً مع دخول التعليم النظامي للمنطقة، وافتتاح أول مدرسة في المنطقة الشرقية في رشاد، وهي (مدرسة رشاد الأولية) للبنين، عام ١٩٢٣م، ودخول شريحة مهمة جداً إلى رشاد، وهي شريحة المعلمين، الذين لعبوا أدواراً كبيرة، وحملوا مشاعل النور والعلم والثقافة إلى المنطقة، فظهر التعليم النظامي والمسرح والليالي الثقافية والجمعيات الأدبية والعلمية، والأنشطة المدرسية المختلفة. ومع افتتاح المدارس، وازدياد عددها، جاء المعلمون من مختلف مدن  البلاد وأريافها من الأبيض وبارا والنهود والدويم والخرطوم وأم درمان وأبوزبد والجزيرة وشندي ونوري والكاملين ودنقلا والحصاحيصا وغيرها، حاملين مشاعل العلم والنور، فأوقدوا شموعاً وأشاعوا النور في أنحاء الجبال، وأثروا المجتمع ثقافياً واجتماعياً وأكاديمياً ورياضياً وسياسياً. 

وتوزع التجار الجلابة في أنحاء المملكة بإيعاز من مك تقلي أو الحكومة أو حسب ما تقتضيه المصلحة والمنافع، فنجدهم في رشاد والعباسية تقلي، والترتر، وأبوجبيهة، وأبوكرشولا، وأم برامبيطة وتالودي، وكالوقي، والليري،  وغيرها. 

وأصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي التقلاوي المتنوع والمتفرد.. 

والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *