البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (8)

36
الحرب2
Picture of أ. د.  سعد يوسف عبيد

أ. د. سعد يوسف عبيد

الحلقة الثامنة

• (تكسرت النصال على النصال) •

في ذلك اليوم ،الموافق الثلاثاء منتصف أغسطس ، ومنذ صباحه الباكر تضامن علي تضييق حياتنا إنقطاع الكهرباء والمياه المتواصل لأيام عديدة خلت مع دوي المدافع و رشقات الرصاص وأسراب البعوض ليلاً والذباب نهاراً .. وظهر لنا غزاة جدد لم نرهم من قبل وهم أكثر شراسة من الأولين ..  فطورنا بدورنا وسيلة لتجنب اقتحامهم للمنزل تتلخص في أن نستقبلهم في الشارع باتخاذنا لشجرة النيم الكبيرة مقراً دائماً لنا نقضي تحتها مع بعض الجيران نهاراتنا كلها وبعضاً من ليالينا .

في ذلك اليوم ، ضاق الحال وتكسرت النصال على النصال ، فبعد أن فرغنا من زيارات قليلة ، تناولنا مع من بقي معنا من سكان الحي وجبة أعددناها من العدس و الخبز الذي صنعناه في المنزل من دقيق خاطرنا للحصول عليه من حانوت كان ما يزال يعمل في حي مجاور .. و كان بيننا في ذلك اليوم صديق لإبني من سكان ( حي الدوحة ) عند الضفة الجنوبية (لخور أبوعنجة).. كان ذلك الشاب قد لجأ إلى حينا عندما احتل الغزاة (الدوحة )  و جهزوها كمقر دائم لهم لا يرغبون في غريب وسطهم ..

بعد تناولنا للوجبة وأداء صلاة العصر تفرغنا لتداول بعض الأخبار الشحيحة التي لا تتجاوز كسر أبواب منزل فلان و نهب شاشات علان و إشاعات المفاوضات .. كانت الموضوعات مكررة .. فموضوعات اليوم هي نفسها موضوعات الأمس  و الكلمات التي كنا نستخدمها أصبحت مستهلكة ولا تتجاوز قاموسنا الجديد من باب ( شفشفة ) و ( عرد ) و ( صيج ) و (قدّ و (جاهزية ) و (أم قرون ) وغيرها .

أحسست بالإرهاق فدخلت البيت و حملت بعض المياه التي كنا قد جمعناها من أمطار الأمس الغزيرة .. دخلت الحمام وغسلت كامل جسدي الذي لم ينعم بالماء لأيام خلت  ..استلقيت على سريري علي أحصل على قسط من الراحة .. لم تمض دقائق معدودة حتى أحسست بشيء من القلق لسماعي أصواتاً عالية لمن تركتهم تحت الشجرة كأنهم في اشتباك مع الغزاة.. انطلقت مسرعاً إلى الخارج خوفاً من أن يتطور الأمر إلى استخدام الغزاة لسلاحهم .. و عند وصولي الشجرة لم أجد غزاة فقد كانت الأصوات صادرة عن إثنين من رفاقنا كانا يتجادلان في موضوع حسبته لا يستحق الذكر ، لكنهما كانا يتناولانه بكل جدية كأنهما يحاولان شغل أنفسهم بموضوع ما .. أي موضوع يخرجهما من دوامة ما كانا فيه من محنة .. حينها لاحظت غياب إبني .. سألت عنه فقيل لي أنه ذهب مع صديقه لمعاينة منزله و إحضار بعض المتعلقات المهمة .. هنا .. أنا انفعلت انفعالاً لم يعهدوه عني .. لمتهم بأشد العبارات على تركهم الأولاد يقطعون الخور ويذهبون إلى الدوحة في مثل تلك الظروف .. و هم بدورهم لاموني على هذا القدر من الإنفعال .. فالموضوع في نظرهم بسيط و المكان قريب .. وحاولوا تطميني بأن الولدين لا بد أن يعودا في غضون دقائق معدودة .. ولما فشلوا في إقناعي لاذوا بالصمت .. أما أنا فقد جلست بعيداً عنهم أفكر في تهاون الكبار في مواجهة طيش ومجازفات الشباب .. واستقر الرأي عندي أن أذهب بنفسي لإحضارهما .. و بالفعل تحركت مبتعداً في اتجاه شارع الأسفلت .

عند وصولي طرف الشارع إندلع فجأة إشتباك عنيف عند الخور .. وبدأت القذائف المختلفة الأشكال والألوان والأصوات تتطاير من فوقنا .. فأسرعت إلى الاحتماء بحوائط المنازل و تحركت ملتصقاً بها محاولاً الوصول إلى البيت  . 

و..نواصل

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *