البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (6)

30
شفشافة
Picture of أ.د. سعد يوسف عبيد

أ.د. سعد يوسف عبيد

الحلقة السادسة

• ( الغارات الليلية) •

كنا قد تعودنا على غارات الغزاة النهارية التي تنتهي قبل غروب الشمس ، فكنا نقضي ليال هادئة إلا من أصوات الأعيرة النارية و تحرك بعض العصابات المحلية التي على شاكلة ( 9 طويلة ) و كان دورهم يتلخص في دخول البيوت الخالية من السكان و نهب ما لم ينهبه الغزاة في النهار ، لكن غارات الغزاة أصبحت تشمل جزءاً من الليل أيضاً .

ففي ذات ليلة ، وكنا متجمعين رجالاً وأطفالاً بعد صلاة العشاء وتناول وجبة الليل ، توقفت شاحنة صغيرة بجوارنا ونزل منها عدد كبير من الغزاة كان غالبهم سكارى سكراً بيناً .. وتحت تهديد السلاح جمعونا بجوار الحائط بعد أن فتشونا وجمعوا الهواتف من الذين كانوا ما يزالون يملكون هواتف و كانت كلها من صنف الهواتف الصغيرة التي لا يرغب الغزاة فيها إلا هاتفاً واحداً كبير الحجم عالي المواصفات يملكه أحد السكان الذي تصادف وجوده معنا لحظة الغارة.. ثم أوفدوا لحراستنا عدداً منهم و تولى آخرون حراسة مداخل الشارع .. أما الباقين فقد اقتحموا منزلنا وبدأوا ينقلون شاشات ومكيفات و منقولات أخرى كان بعض الجيران قد نقلوها إلى بيتنا قبل مغادرتهم الحي لظنهم أن الغزاة لا ينهبون سوى المنازل الخالية .. وكان ظاهراً أن هذه الزيارة لم تكن عشوائية بل كانت نتيجة لمعلومات زودهم بها أحد المتعاونين معهم .

خلال عمليات نقل المنقولات للسيارة ظهر من على البعد أحد سكان الحي عائداً إلى بيته بعد تناول وجبة الليل في شارع مجاور .. وبمجرد ظهوره صاح فيه حارس مدخل الشارع آمراً له بالوقوف لكنه لم يقف بل أسرع جارياً في اتجاه منزله فأطلق عليه الحارس الرصاص فأخطأه بحمد الله . وبسماع البقية لصوت الطلقات هرعوا نحو السيارة بعد أن أعادوا الهواتف الصغيرة إلى أصحابها و احتفظوا بالهاتف الكبير بعد أن فشلت محاولات صاحبه في استعادته .. وتحركت السيارة بهم و بما تمكنوا من نهبه .

ظل صاحب الهاتف الكبير يحدق في السيارة وهي تختفي في الظلام ثم التفت إلينا وقال في ثقة : ( بكرة ح أرجعو منهم ) وغادرنا إلى منزله فسخرنا من ثقته الزائدة في نفسه و قدراته .. إذ لم يتمكن أي شخص من استعادة هاتفه المنهوب إن كان من الهواتف الحديثة .. لكن دهشتنا كانت كبيرة عندما مر بنا في الصباح صاحب الهاتف الكبير وهويحمله بعد أن استعاده .. و هنا بدأت الشكوك تنتابنا حوله .. بل بدأنا نتخلص من الثقة المطلقة في كل من حام حولنا من سكان الحي .  

وتوالت الأحداث على ذات الشاكلة و أصبح البقاء داخل الحي أمراً شاقاً وعسيراً ، فكان من نتائجها أن سرعت من وتيرة جلاء السكان ، فعمليات الخروج  لم تعد قاصرة على النساء والأطفال إذ شمل الخروج من الحي غالب الرجال والشباب .. فلم يبقى بالحي سوى عدد من الشباب والكهول يمكن لأصابع اليدين وحدهما إحصاءهم . فلم يبق في شارعنا سواي و إبني و رجلان آخران غالباً ما يبيتا في مكان آخر .

و..نواصل

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *