البروف سعد يوسف عبيد يكتب لـ (فويس): النكبة (2)

29
abu arki
Picture of بقلم: أ. د. سعد يوسف عبيد

بقلم: أ. د. سعد يوسف عبيد

الحلقة الثانية

( أيام الصمود )

قبل أحداث (اليوم الأسود) كان الصمود راجحاً عندي ، فقد كنت ما قبل ذلك اليوم أستمد من محادثات يومية هاتفية مع أصدقائي : ( أبو عركي ) الذي يساكنني الحي .. يطمئن علي وأطمئن عليه ونتبادل الأخبار .. ومحادثات أخرى مع الأخ الصديق ( هاشم صديق ) أسأل عن صحته و عن حقيقة الأوضاع في ( بانت ) واستمع إلى تحليلاته الواعية للأحداث وانتقاداته لما تبثه القنوات المحلية والأجنبية .. وأستأنس بمهاتفات مكي سنادة حينما تهدأ الإشتباكات في منطقتهم الملتهبة .. ومناشدات عثمان البدوي وعادل حربي وغيرهما لي بالخروج .. بل إننا كنا نرفه عن أنفسنا بمشاهدة الحلقات اليومية من مسلسلات ( كوميديا الخبراء الاستراتيجيين ).

في تلك الفترة لم أحس بأني عاطل عن العمل .. كان يومي مزدحماً بالبحث عن الدقيق لصناعة الخبز والبقول لطبخ الإدام .. وبين هذا وذاك كنت أستقبل الغزاة خارج البيت حينما كانوا يكتفون بنهب البيوت الخالية من السكان .. كل هذا لم يشغلني عن العمل وفق تخصصي فقد واصلت كتابة بعض الأبحاث التي كنت قد بدأتها قبل إشتعال نيران الحرب ، بل إنني كنت قد اتفقت مع أخي ( الرشيد أحمد عيسى ) في مهاتفاتنا اليومية – قبل أن يغادر حينا – و مع أبو عركي على كتابة نص مسرحي تسجيلي يصور ما يدور حولنا من أحداث حسبناها لن تدوم طويلاً .. وبالفعل شرعت في الكتابة حتى وصلت الفصل الأخير .. ثم إنه كانت حتى ذلك اليوم بعض الأسر ما تزال صامدة معنا .. رجال من كل الأعمار و نساء وأطفال .. فتمكنا بتضامننا وتعاضدنا من حل بعض مشكلات البقاء على قيد الحياة من طعام وماء .

لكل تلك الأسباب تمكنت من الصمود في بيتي لما يقارب الشهور الخمس .. ولكل تلك الأسباب لم أكن في يوم من الأيام أفكر في هجرة بيتي المتواضع حتى لو استبدلوه بقصر مشيد ، فقد شهدت ورفيقتي -رحمها الله- كل طوبة فيه، أين وضعت و كيف وفرنا ثمنها .. ثم غادرت هي دنيانا بعد أن وضعت بصمتها في كل طوبة فيه .. ومن نعم الله عليها أن أعفاها من أن تمر بما مررنا بها من أحداث جسام .. وكنت بعد كل موقف عصيب أتذكرها وأقول لنفسي ( كيف كان لقلبها المعطوب أن يحتمل هذا الموقف لو كانت بيننا ؟) لأنني كنت موقناً بأنها لن تفكر بهجرة الدار مهما ادلهمت الخطوب .

إذن فالسؤال هنا هو :

كيف سمحت لنفسي بالتفكير ، مجرد التفكير ، في الهجرة ؟

أما الإجابة فهي :

إنها أحداث وحوادث تراكمت فوق بعضها البعض دفعتني دفعاً للخروج أو النزوح أو الهجرة .. أقص عليكم طرفاً منها في حلقات قادمة

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *