الأبقار الحلوب : ثروة عالمية وغذائية وإقتصادية لا غنى عنها

189
12
Picture of إعداد: معتصم تاج السر

إعداد: معتصم تاج السر

عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر

hams

• تُعد الأبقار الحلوب واحدة من أهم مصادر الغذاء في العالم حيث توفر الحليب ومشتقاته لمليارات البشر يومياً. 

تلعب هذه الثروة الحيوانية دوراً أساسياً في الاقتصاد العالمي سواء من خلال إنتاج الحليب أو توفير فرص العمل لملايين المزارعين والعاملين في قطاع الألبان. 

تختلف سلالات الأبقار الحلوب من بلد إلى آخر ولكل منها خصائص تميزها من حيث الإنتاجية والتحمل للظروف المناخية المختلفة. في هذا العدد من «همس الحقول « سنستعرض أهمية الأبقار الحلوب والسلالات الشهيرة طرق التربية التحديات التي تواجه الصناعة ومستقبل إنتاج الألبان عالمياً.

أهمية الأبقار الحلوب 

تحتل صناعة الألبان مكانة حيوية في الاقتصاد العالمي حيث تساهم الأبقار الحلوب في:-

1. إنتاج الحليب ومشتقاته: 

الحليب هو مصدر غني بالكالسيوم، البروتين، والفيتامينات الضرورية لصحة الإنسان. 

كما يُستخدم في صناعة الزبدة، الجبن، الزبادي، والعديد من المنتجات الغذائية الأخرى.

2. العمالة والتوظيف: 

توفر صناعة الألبان فرص عمل لملايين الأشخاص حول العالم، بدءًا من المزارعين، العاملين في مصانع الألبان، وصولاً إلى التجار وموزعي المنتجات.

3. الاقتصاد والتصدير:

العديد من الدول تعتمد على صادرات الحليب ومشتقاته كمصدر رئيسي للدخل القومي، مثل هولندا، نيوزيلندا، وألمانيا.

4. الزراعة المستدامة:

توفر تربية الأبقار فوائد بيئية، مثل استخدام روثها كسماد طبيعي لتعزيز خصوبة التربة.

سلالات الأبقار الحلوب حول العالم

توجد عدة سلالات من الأبقار الحلوب تختلف في إنتاجها للحليب وجودته ومن أشهرها:-

1. الهولشتاين (Holstein)

الموطن: هولندا وألمانيا.

الإنتاجية: تُعد أكثر سلالات الأبقار إنتاجاً للحليب حيث يصل إنتاجها السنوي إلى أكثر من 10,000 لتر.

الميزة: حليبها غني بالبروتين لكنها تحتاج إلى تغذية مكثفة ورعاية خاصة.

2. الجرسي (Jersey)

الموطن: جزيرة جيرسي البريطانية.

الإنتاجية: تنتج كميات أقل من الحليب مقارنة بالهولشتاين (حوالي 6,000 لتر سنوياً) لكنه يحتوي على نسبة عالية من الدهون والبروتين.

الميزة: مناسبة للمناخات الحارة وتستهلك كميات أقل من العلف.

3. الغورنسي (Guernsey)

الموطن: جزيرة غورنسي في بريطانيا.

الإنتاجية: حليبها غني بالكاروتين مما يعطيه لوناً ذهبياً.

الميزة: تمتاز بالكفاءة في تحويل العلف إلى حليب عالي الجودة.

4. الأيرشاير (Ayrshire)

الموطن: اسكتلندا.

الإنتاجية: تصل إلى 7,000 لتر سنوياً.

الميزة: تتمتع بصحة جيدة وقدرة على التأقلم مع الظروف القاسية.

5. الساهي والفرزيان (Sahiwal & Friesian)

الموطن: الهند وباكستان.

الإنتاجية: سلالة هجينة تجمع بين تحمل الحرارة وإنتاجية عالية للحليب.

الميزة: مقاومة للأمراض وملائمة للمناطق الحارة والجافة.

طرق تربية الأبقار الحلوب

تعتمد تربية الأبقار الحلوب على أساليب متطورة لضمان إنتاجية عالية وصحة جيدة ومن أبرز طرق التربية:

1. التغذية السليمة: تعتمد جودة الحليب وكميته على نوع العلف المقدم للأبقار مثل الأعلاف المركزة والحبوب والأعلاف الخضراء الغنية بالبروتين.

2. الإدارة الصحية: تشمل الفحوصات البيطرية الدورية والتطعيمات وبرامج مكافحة الأمراض لضمان صحة القطيع.

3. الراحة والبيئة المناسبة: تحتاج الأبقار إلى بيئة نظيفة ومريحة لتحفيز إنتاج الحليب، مثل الحظائر الجيدة التهوية والأسرة الناعمة لتجنب الإجهاد.

4. الحلب المنتظم: يتم حلب الأبقار مرتين إلى ثلاث مرات يومياً باستخدام ماكينات حديثة لضمان نظافة الحليب وتقليل التلوث.

تحديات تواجه صناعة الألبان

رغم أهمية قطاع الأبقار الحلوب إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه المزارعين والمنتجين، منها:-

1. تغير المناخ: تؤثر درجات الحرارة المرتفعة والتغيرات المناخية على إنتاجية الأبقار وتوفر الأعلاف.

2. ارتفاع تكاليف العلف: العلف هو أحد أكبر التكاليف التشغيلية لمزارع الألبان وتأثير ارتفاع أسعاره ينعكس على أرباح المزارعين.

3. الأمراض الحيوانية: مثل التهاب الضرع وأمراض الجهاز التنفسي والتي تؤثر على إنتاجية الأبقار وتتطلب تكاليف علاجية مرتفعة.

4. الضغوط البيئية: بعض الدول تفرض قيودًا بيئية صارمة على مزارع الألبان بسبب انبعاثات الميثان الناتجة عن الأبقار.

5. تقلبات الأسعار: يؤثر العرض والطلب العالمي على أسعار الحليب، مما يؤدي إلى عدم استقرار دخل المزارعين.

مستقبل الأبقار الحلوب وإنتاج الألبان

مع التقدم التكنولوجي والابتكارات في مجال الزراعة يواجه قطاع إنتاج الألبان تغيرات كبيرة مثل:-

1. استخدام الذكاء الاصطناعي في المزارع: أصبحت التكنولوجيا تلعب دوراً هاماً في مراقبة صحة الأبقار، تحسين نظم التغذية، وزيادة كفاءة الإنتاج.

2. التحسين الوراثي: يتم تطوير سلالات جديدة أكثر إنتاجية وأفضل في مقاومة الأمراض من خلال تقنيات التهجين والاختيار الجيني.

3. الزراعة المستدامة: يتم تطوير أنظمة صديقة للبيئة تقلل من انبعاثات الكربون وتعزز استدامة الموارد الطبيعية.

4. البدائل النباتية للحليب: رغم نمو سوق الحليب النباتي إلا أن الطلب على حليب الأبقار لا يزال قوياً خاصة في الدول التي تعتمد عليه كمصدر رئيسي للغذاء.

الأبقار الحلوب في السودان

يُعد السودان من الدول التي تمتلك ثروة حيوانية ضخمة حيث فاقت أعداد الأبقار 30  مليون رأس في 2020 إلا أن إنتاج الحليب لا يزال دون المستوى المطلوب بسبب عدة تحديات.

السلالات المنتجة للحليب في السودان

1. أبقار الكنانة والبطانة:

وهي سلالات محلية تتحمل الظروف المناخية القاسية ولكنها تنتج كميات محدودة من الحليب.

2. الفريزيان الهولندي المستورد: 

يتم تهجينها مع الأبقار المحلية لزيادة الإنتاجية، لكنها تحتاج إلى بيئة ملائمة ورعاية خاصة.

التحديات التي تواجه قطاع الألبان في السودان

قطاع الأبقار الحلوب في السودان يتأثر بعدة من المشكلات والعادات وموروثات اجتماعية وثقافية لها تأثير مباشر على الإنتاجية والاستثمار في هذا المجال. من أبرز هذه المشاكل والعادات والموروثات:-

   1.ضعف البنية التحتية: 

قلة المزارع الحديثة ومحدودية مراكز التبريد والتوزيع.

2. مشكلات التغذية: 

نقص الأعلاف وارتفاع تكاليفها مما يقلل من إنتاجية الأبقار.

3. ملكية الأبقار كرمز اجتماعي:

في العديد من المجتمعات الريفية تُعتبر ملكية الأبقار رمزاً للوجاهة الاجتماعية والثروة حيث يتم الاحتفاظ بها كمخزون للقيمة بدلاً من استغلالها للإنتاج الفعلي للحليب. 

وهذا يؤدي إلى ضعف الاستثمار في تحسين السلالات وزيادة الإنتاجية.

4. التربية التقليدية مقابل التربية الحديثة»

لا تزال الطرق التقليدية في تربية الأبقار هي السائدة حيث يتم الاعتماد على المراعي الطبيعية والتنقل المستمر مما يقلل من فرص تحسين التغذية والرعاية الصحية للأبقار الحلوب وبالتالي يؤثر على إنتاجية الحليب.

5. العادات الغذائية واستهلاك الحليب:

في بعض المناطق يتم استهلاك جزء كبير من إنتاج الحليب محلياً في شكل لبن رائب (الروب) أو زبادي مما يقلل من فرص تسويقه بشكل تجاري واسع. 

كما أن هناك تفضيلاً للحليب الطازج بدلاً من الحليب المبستر أو المصنع مما يؤثر على تطور صناعة الألبان.

6. ضعف الاستثمار في التقنيات الحديثة:

بسبب النظرة التقليدية لتربية الأبقار هناك عزوف عن الاستثمار في تقنيات تحسين الإنتاج مثل التلقيح الصناعي مزارع الحظائر المغلقة، وأنظمة التغذية المتقدمة مما يبقي الإنتاجية أقل من الإمكانات الحقيقية.

7. تأثير الأعراف القبلية على تسويق الحليب:

في بعض المناطق يتم تسويق الحليب داخل إطار المجتمعات المحلية وفقاً للأعراف القبلية والتبادل غير النقدي مما يقلل من انسيابية المنتج إلى الأسواق الكبرى ويحد من فرص التصنيع والتصدير.

7. عدم تقبل التأمين على الثروة الحيوانية:

بعض المزارعين والرعاة لا يثقون في فكرة التأمين على الماشية مما يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر مثل الأوبئة والجفاف دون وجود تعويضات تساعدهم على الاستمرار في الإنتاج.

9. الذبح العشوائي للأبقار الحلوب:

بسبب الظروف الاقتصادية، يلجأ بعض المربين إلى ذبح الأبقار الحلوب عند الحاجة للسيولة النقدية بدلاً من استثمارها في إنتاج الحليب، مما يؤدي إلى نقص في عدد الأبقار المنتجة ويؤثر على القطاع على المدى الطويل.

10. نقص الوعي بأهمية تحسين السلالات:

معظم المربين يعتمدون على السلالات المحلية دون محاولة تهجينها مع سلالات محسنة مما يبقي الإنتاجية أقل من الممكن حيث أن الأبقار المحلية غالباً ما تعطي كميات أقل من الحليب مقارنة بالسلالات المحسنة عالمياً.

11. تأثير العادات البيئية والمناخية:

التنقل المستمر للرعاة بسبب البحث عن المراعي خاصة في ظل تغير المناخ، يؤثر على استقرار الإنتاج ويجعل تبني الممارسات الحديثة في تربية الأبقار أكثر صعوبة.

12. ضعف دور المرأة في تطوير القطاع:

رغم أن المرأة تلعب دوراً مهماً في تربية الأبقار وإنتاج الألبان إلا أن مشاركتها في القرارات الاستثمارية والتسويقية لا تزال محدودة بسبب العادات الاجتماعية مما يحد من تطوير القطاع بشكل متكامل.

13. عدم توفر الصناعات المصاحبة للألبان:

يفتقر السودان إلى المصانع الحديثة لصناعة الألبان المجففة ومنتجات الألبان الأخرى.

رؤية حركة السودان الأخضر لتنمية قطاع الألبان

تؤمن حركة السودان الأخضر بأن تنمية قطاع الأبقار الحلوب يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في الاقتصاد السوداني ويحقق الأمن الغذائي ويسهم في تطوير القرى والمجتمعات الريفية.

لتطوير قطاع الأبقار الحلوب في السودان هناك حاجة لتغيير بعض هذه العادات من خلال التوعية والتدريب ودعم الاستثمارات في الإنتاج الحديث. 

التحول نحو التربية المنظمة وتحسين السلالات وتطوير سلاسل القيمة للألبان يمكن أن يسهم بشكل كبير في زيادة الإنتاج وتحقيق فوائد اقتصادية أكبر للمربين وللاقتصاد السوداني ككل.

تقوم رؤيتها على الأسس التالية:-

1. إنشاء مزارع ألبان حديثة ومستدامة

تطبيق مفاهيم «الإنتاج الإبداعي الأخضر» من خلال استخدام موارد طبيعية مستدامة وتقنيات زراعية حديثة.

تحسين السلالات المحلية عبر برامج تهجين مدروسة لزيادة إنتاج الحليب مع الحفاظ على مقاومة الأبقار للأمراض والظروف البيئية القاسية.

إنشاء محطات تبريد وتخزين متطورة لضمان تقليل الفاقد من الحليب وتحسين جودته.

2. إنشاء الصناعات المصاحبة لمنتجات الألبان

تعزيز إنتاج وتصنيع مشتقات الألبان مثل الجبن، الزبادي، الزبدة، ومساحيق الحليب، مما يضيف قيمة اقتصادية أكبر مقارنة ببيع الحليب الخام.

دعم مشاريع المدارس الإنتاجية الخضراء التي تُعلِّم الشباب والنساء أسس تصنيع الألبان ومساعدتهم في إطلاق مشاريع صغيرة.

تشجيع التعاونيات الزراعية لضمان توزيع عادل للموارد وزيادة فرص التسويق لصغار المزارعين.

3. تطوير صناعة الأعلاف وفق رؤية إيجابية إبداعية خضراء

استغلال الأراضي الزراعية الخصبة في السودان لزراعة أعلاف عضوية توفر تغذية متوازنة للأبقار، مما يقلل الاعتماد على الأعلاف المستوردة مرتفعة التكلفة.

تطوير تقنيات إنتاج أعلاف مبتكرة تعتمد على المخلفات الزراعية، مثل تحويل بقايا الذرة والقمح إلى أعلاف مغذية.

تشجيع نظام الزراعة المتكاملة الذي يربط بين إنتاج المحاصيل وتربية الماشية مما يحقق استفادة قصوى من الموارد الطبيعية.

4. تعزيز الاستثمار في قطاع الألبان

جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لإنشاء مشاريع ضخمة لإنتاج وتصنيع الألبان.

تقديم تسهيلات وحوافز لمربي الأبقار مثل القروض الميسرة وتمويل المعدات الزراعية الحديثة.

ربط السودان بالسوق الإقليمي والعالمي من خلال تصدير منتجات الألبان عالية الجودة.

5. تحقيق الأمن الغذائي عبر «أورقانك السودان»

تنسجم رؤية حركة السودان الأخضر مع فكرة أن السودان يمكنه أن يصبح مركزاً عالمياً لإنتاج الأغذية العضوية، ومن بينها الألبان.

تعزيز إنتاج الحليب العضوي بدون مواد كيميائية أو هرمونات مما يلبي الطلب المتزايد على الأغذية الصحية عالمياً.

مستقبل قطاع الألبان في السودان

من خلال تطبيق هذه الرؤية، يمكن للسودان أن يتحول من مستورد للألبان إلى مُصدِّر إقليمي خاصة مع توافر الموارد الطبيعية والمناخ المناسب. 

إن تطوير قطاع الأبقار الحلوب وفق نهج أخضر ومستدام لا يعزز فقط الاقتصاد بل يحسن معيشة ملايين السودانيين ويسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ويدعم بناء مجتمع صحي ومعافى قائم على الإنتاج والاستدامة.

الوعد والمنى

تظل الأبقار الحلوب عنصراً أساسياً في الأمن الغذائي والاقتصاد العالمي حيث توفر الحليب ومشتقاته لملايين البشر يومياً. 

ورغم التحديات التي تواجه هذا القطاع فإن التطور التكنولوجي والابتكارات المستمرة تساعد في ضمان استدامته وزيادة كفاءته.

يبقى الدور الأكبر على المزارعين والمنتجين في تبني الممارسات الحديثة لضمان إنتاج صحي ومستدام للأجيال القادمة.

أما الوعد فهو أن تستمر الأرض في العطاء وأن يظل الحليب رمزاً للنقاء والحياة ويربط بين الطبيعة والإنسان في علاقة أزلية من العطف والتكامل. 

وأما المُنى فهي أن تنساب خيرات المراعي بسخاء وأن تنبض مزارع الألبان بروح التطوير والازدهار حتى يصبح السودان موطناً للحليب النقي «الاورجنيك» ليروي الأجساد والقلوب على حد سواء فتتحقق الأحلام بحقول خضراء وثروة حيوانية متطورة ومائدة لا ينضب خيرها.

ولتحقيق النماء في قطاع الأبقار الحلوب لا بد من تبني رؤية التغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر، حيث يكون كل فرد شريكتً في النهضة الزراعية والحيوانية تحقيقاً لشعار الحركة «ما يخصني لا يكون بدوني» فالتطوير مسؤولية جماعية تتطلب تعاون المربين، المنتجين، والمستثمرين والدولة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً لقطاع الألبان في السودان.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *