حسن محمد عبد الله

حسن محمد عبدالله

كاتب صحفي.

 • استوقفني حديث جانبي لأحد الإخوة العاملين بالحقل الطبي. جرى من باب أن الشيء بالشيء يذكر ، وقد كان موضوع الحديث انكباب الناس على تحصيل المال، وانتهاز  الفرص لذلك مع المغالاة.

 فروى لي حديثاً غص به الحلق، وشوش عليّ حتى في الصلاة،  وأدخلني في حيرة من أمري، لأجد نفسي متسائلاً: هل حقاً ما زلنا في السودان؟ وما الذي ألمّ بنا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟  فقد كانت حكايته على النحو التالي:

ففي نحو الساعة الواحدة بعد الظهر، وبعد خروج آخر المعاودين من العيادة، دخل عليه مسؤول الاستقبال وهو يقود شخصاً تكاد لا تحمله خطاه، وهو ينزف من فمه، وقد بلغ آثار النزف حتى ملابسه، وهو شخص متقدم في العمر، فما كان من الطبيب وبحكم خبراته السابقة، إلا أن أمره بأن يستلقي على سرير الكشف، وأخذ ورقة وسأله عن اسمه الرباعي، وموقع سكنه، والمعلومات الأساسية عنه، تحسباً لوداع مفاجئ في مثل هذه المواقف. ثم سأله عما أصابه. فقال المريض إنه يعاني من دوالي المريء، وإن ذاك اليوم هو اليوم الذي تحدد أن تجرى له فيه عملية كي بالمناظير بمستوصف شهير بهذه العمليات بمحلية كرري، وعندما وصل إلى المستوصف كان لديه مبلغ مائة ألف جنيه، والعملية تتطلب مائة وثلاثة وأربعين ألف جنيه، ولكن أسرة المستوصف أصرت على إتمام المبلغ قبل إجراء العملية، فترك الرجل زوجته في المستوصف وتحرك راجلاً ليصل إلى أحد المعارف لديه بقالة قرب أحد الأفران المعروفة بالمنطقة. إلا أنه وبعد قطع مسافة لا تقل عن الكيلومترين، وجولة لا تقل عن تلك المسافة، لم يعثر على البقالة، ولتنفجر الدوالي بذلك الكم من الدماء. ليجد باب تلك العيادة على مشارف الإغلاق، لعل الله قد أراد له فرجاً لمعاناته. 

مما عجبت له صاحب هذا المستوصف، وكيف أمن الأقدار وسوق صابرين على فركة كعب منه، وقد غشاها ما غشاها من التدوين الهمجي الذي كم قتل وكم شوّه أكثر من مرة. ومنطقة الثورات من كبري الحلفايا إلى شارع دنقلا، كم من المرات قد تم تدوينها، وكم استقبل من أولئك الضحايا عقب كل استهداف.

كما أننا في الثورات ما زلنا نسترجع استقبال أهل مدني لنازحي الخرطوم، وكيف غالوا في الأسعار، ثم كيف كان العاقبة.

نعوذ بالله من هذا الهلع والتدافع نحو حطام الدنيا الفانية، ونسيان أمر الآخرة، خاصة من أولئك الذين حملوا مسمى ملائكة الرحمة. وللأسف الشديد فإن هذه النماذج باتت تتكرر وببشاعة متفاوتة، كأنما لسنا بسوداننا الذي كنا نعرف، ومع ذلك علينا ألا ننسى أن:

وما بين غمضة عين وانتباهتها

يغيّر الله من حال إلى حال

حفظ الله البلاد والعباد.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *