
أ. د. فكري كباشي الأمين
خبير اقتصادي
• عرَّفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحوكمة بـالنظام الذي يوجه ويضبط أعمال الشركات، من خلال توصيف وتوضيح الحقوق والواجبات بين مختلف الأطراف في الشركات «مجلس الإدارة ــ المساهمين ــ المتعاملين ــ العاملين». ووضع القواعد والإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الشركة، ووضع الأهداف والوسائل المتاحة لتحقيق أهداف الشركة ومراقبة أدائها، والاعتماد على العمل المؤسساتي من خلال وضع أنظمة ذاتية للإدارة والتوجيه والرقابة.
ولذلك فإن حوكمة الشركات أصبحت من أهم المواضيع المطروحة على صعيد اقتصاديات دول العالم، فهي تشكل عنصراً مهماً لتعزيز النجاح والإصلاح الاقتصادي والتنظيمي في ظل العولمة وانفتاح اقتصاديات الدول على بعضها البعض والمنافسة الشديدة. كما أصبحت الحوكمة وسيلة لتعزيز الثقة في اقتصاد أي دولة، ودليلاً على وجود سياسات عادلة وشفافة، وقواعد لحماية المستثمرين والمتعاملين، ومؤشراً على المستوى الذي وصلت إليه إدارات الشركات في الالتزام المهني لقواعد حسن الإدارة والشفافية والمحاسبة، ووجود إجراءات للحد من الفساد، وبالتالي زيادة جاذبية الاقتصاد للاستثمارات المحلية والخارجية، وقدرته التنافسية. ولذلك إننا في السودان في هذه المرحلة والتطلع إلى جذب اسثمارات دولية كهدف أساسي لاستغلال الموارد المادية المتاحة، بعد الإعلان عن انتهاء العزلة الاقتصادية. يجب على القائمين على الأمر تهيئة المناخ من خلال تبني الحوكمة والتطبيق الصارم لمبادئها، وكمثال لما جرى في شركة المعادن، ما كان ليحدث إن كان من البدء إقرار تلك المبادئ والأسس، ويتضمن مصطلح الحوكمة الخصائص التالية:
أ. الانضباط: أي اتباع السلوك الأخلاقي المناسب والصحيح.
ب. الشفافية: أي تقديم صورة حقيقية لكل ما يحدث.
ج. الاستقلالية: أي لا توجد تأثيرات وضغوط غير لازمة للعمل.
د. المساءلة: أي إمكان تقييم وتقدير أعمال مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
هـ. المسؤولية: أي وجود مسؤولية أمام جميع الأطراف ذوي المصلحة في الشركة.
و. العدالة: أي يجب احترام حقوق مختلف المجموعات أصحاب المصلحة في الشركة.
ن. المسؤولية الاجتماعية: أي النظر إلى الشركة كمواطن جيد.
وترتكز حوكمة الشركات على ثلاث ركائز هي:
أ. السلوك الأخلاقي: أي ضمان الالتزام السلوكي من خلال الالتزام بالأخلاقيات وقواعد السلوك المهني الرشيد، والتوازن في تحقيق مصالح كافة الأطراف المرتبطة بالشركة، والشفافية عند عرض المعلومات المالية.
ب. تفعيل أدوار أصحاب المصلحة: مثل الهيئات الإشرافية العامة «هيئة سوق المال ــ وزارة الاقتصاد ــ سوق الأوراق المالية ـ البنك المركزي» والأطراف المباشرة للإشراف والرقابة «المساهمون ــ مجلس الإدارة ــ لجنة المراجعة ــ المراجعون الداخليون ــ المراجعون الخارجيون» والأطراف الأخرى المرتبطة بالشركة» الموردون ــ العملاء ــ المستهلكون ــ المودعون ــ المقرضون».
ج. إدارة المخاطر: من خلال وضع النظام لإدارة المخاطر، والإفصاح وتوصيل المخاطر إلى المستخدمين وأصحاب المصلحة.
وتعد نظم الإفصاح القوية بمثابة سمة أساسية من سمات أساليب متابعة الشركات المستندة إلى قوى السوق، وتحتل أهمية كبيرة في مساعدة المساهمين على ممارسة حقوقهم، فالإفصاح السليم يعد أداة قوية للتأثير على سلوك الشركات وحماية المستثمرين وعلى جذب رؤوس الأموال، والحفاظ على الثقة في أسواق رأس المال. لذلك يتطلب المساهمون والمستثمرون المرتقبون الحصول على المعلومات المنظمة والتي تتسم بدرجة مرتفعة من المصداقية والقابلية للمقارنة مع البيانات الأخرى المناظرة، لتساعدهم في تقييم كفاءة الإدارة، واتخاذ القرارات المستندة إلى المعلومات الكافية بشأن تقييم الشركة. إن المعلومات غير الكافية أو غير الواضحة تعوق قدرة أسواق الأوراق المالية على العمل، وتؤدي إلى سوء تخصيص الموارد.
ويجب أن يتضمن نظام الحوكمة ضرورة الإفصاح السريع والدقيق لكافة البيانات المتعلقة بالأمور المادية للشركة، بما في ذلك الموقف المالي، الأداء، الملكية، والرقابة على الشركة. ويجب أن يتضمن الإفصاح بالإضافة إلى المعلومات الجوهرية «أي واقعة أو معلوم يجب إعداد البيانات المحاسبية والإفصاح عنها، وفق معايير المحاسبة والمراجعة الدولية، إذ تعد البيانات المالية وسيلة الاتصال الرئيسية بين معدي هذه البيانات ومستخدمها، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الذاتية، والتي قد تتعارض مع مصالح الآخرين. حيث تسعى الإدارة إلى اتباع الطرق المحاسبية لزيادة صافي الربح، وبالتالي زيادة نصيبها من الحوافز، ودعم مراكزها الوظيفية، في حين يتعارض ذلك مع هدف المساهمين، بسبب زيادة التدفقات النقدية كالحوافز والمكافآت للإدارة، كما يمكن أن يحدث تعارض بين الإدارة العليا «مجلس الإدارة» ومفتش الحسابات، من خلال قيام الأخير بكشف مناورات الإدارة في استخدام الطرق والسياسات المحاسبية للتلاعب بالأرقام المحاسبية، أو إخفاء بعض المعلومات المهمة عن المساهمين. ويعرف التلاعب المحاسبي بأنه القدرة على زيادة أو تخفيض صافي الدخل الظاهر في البيانات المالية بطريقة متعمدة، وكذلك العمل على خلق انطباع مختلف لدى مستخدمي القوائم المالية.
شارك المقال