أهمية أثر السياسات العامة على أداء الدولة في السودان
Admin 12 أبريل، 2025 269
أ. د. فكري كباشي الأمين
خبير اقتصادي
• إن دراسة السياسات العامة هى أحد الاتجاهات الحديثة نسبياً فى دراسات النظم السياسية والسياسة المقارنة تكشف عن النظام السياسي وهو في حالة حركة، وتركز على مخرجاته. وأهمية تحليل السياسات العامة من الناحية الأكاديمية هي أنها تساعد على فهم دينامكيات النظام السياسي والقوى المؤثرة فيه، وتمكن من دراسة قدرات النظم السياسية وتأثيرها على إشباع حاجات الفئات المستهدفة. كما أن مفهوم السياسات العامة: ظهر كمفهوم علوم السياسات في بداية الخمسينات، وكان أول من استخدمه هو العالم الأمريكي هارولد لا سويل. وتتناول هذه العلوم بصفة عامة الموضوعات المتصلة بعمليات اتخاذ القرارات الكبرى فيما يتعلق بالنظام العام.
وبالنظر إلى نشأة الاهتمام بالسياسات العامة، نجد أن الاهتمام التقليدي بعلم السياسة كان منصباً على البناء المؤسسي للحكومة، والتبرير الفلسفي لوجودها. ومع تطور علم السياسة بعد الحرب العالمية الثانية، انتقل التركيز من المؤسسات إلى العمليات والسلوك، وهو ما استتبع دراسة الأسس الاجتماعية والنفسية للسلوك الفردي والجماعي، وأنماط سلوك الفاعلين السياسيين، وتحت تأثير حركة ما بعد السلوكية، التي وجهت الباحثين نحو الإسهام في حل مشكلات المجتمع عن طريق البحوث العلمية، كما نجد أن علم السياسة في السنوات الأخيرة أفرد حيزاً كبيراً للسياسة العامة أنواعها، محتواها، إعدادها، تنفيذها وتقييمها في
ضوء آثارها المتوقعة وغير المتوقعة على المجتمع وعلى النظام السياسي.
وقد أدى الاهتمام بتحليل السياسات العامة إلى تغيرات هامة فى النقاط التي يرتكز عليها علماء السياسة.
الأولى: أنها تنقل التركيز من المدخلات إلى المخرجات، In-put out put, الثانية: أنها تنقل التحليل من المستوى الكلي للسياسة macro politics إلى التحليل الجزئي Micro politics.
وتعرفُ السياسةُ العامة في اللغةِ الإنجليزيّة بِمُصطلح (Public policy)، وهي عبارةٌ عن نظامٍ معينٍ، تسعى الحكومة المحليّة في الدولة إلى تطبيقها، والتحقق من التزامِ الجميع فيه سواء أكانوا أفراداً أم مؤسسات، وأيضاً تُعرفُ السياسةُ العامة بأنها برنامجُ عملٍ حكوميّ يحتوي على مجموعةٍ من القواعد، والتي تلتزمُ الحكومة بتطبيقها في المجتمع، ومن التعريفات الأخرى للسياسة العامة: هي مجموعةٌ من الاتجاهات الفكريّة التي تسعى الحكومة إلى تنفيذِ الهدف الخاص بها، من خلال الاعتماد على مجموعةٍ من الوسائل والأدوات، وقد تشملُ السياسةُ العامة تقديم مجموعةٍ من الفوائد العامة، مثل: توفير طُرق نقل مناسبة، مما يساهمُ في تقديمِ العديد من الخدمات للمجتمع.
وارتبطت نشأةُ السياسة العامة مع بدايةِ ظهور الدول، والنظام الحكومي الذي يعتمدُ على دور المؤسسات الحكوميّة في تطبيق السياسة، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وحصول العديد من الدول على استقلالها، وساهم ذلك في توفيرِ مجموعةٍ من الاستراتيجيات التي ساعدتْ على تطبيقِ الخطط الحكوميّة بنجاح، والتي ركزتْ على دورِ الحكومة في بناءِ مجتمعٍ حضاريّ يوفرُ أُسس الحياة المناسبة للأفراد، ومن أهم خصائص السياسات العامة:
1. تحقيق المصلحة الشعبيّة؛ إذ تسعى السياسةُ العامة إلى ضمانِ تحقيق مصالح المواطنين، بما يتناسبُ مع حاجاتهم، ويحافظُ على حقوقهم، لذلك لا تقتصرُ السياسةُ العامة على فئةٍ معينةٍ من الأفراد، بل تشملُ كافة فئات المجتمع.
2. تعتمدُ السياسةُ العامة على مجموعةٍ من الإجراءات المدروسة، والتي تساهمُ في تنفيذِ كافةِ الأهداف الخاصة بها.
3. تستخدمُ السياسةُ العامة مجموعةً من الموارد البشريّة، والطبيعيّة، والصناعيّة، والتي تساعدُ على ضمانِ الوصولِ إلى النتائج المطلوبة بنجاح.
4. تهتمُ السياسةُ العامة في الجمعِ بين كافة المؤسسات الحكوميّة، وتكليفُ كلٍ منها بمجموعةٍ من المهام والوظائف، التي تساعدُ على تطبيق السياسة العامة بنجاح.
ولذلك كل هدفٍ من أهداف السياسة العامة يعتمدُ على مجموعةٍ من المعايير، والتي تقدمُ الأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف بطريقةٍ صحيحة، ويتم تطبيق السياسة العامة على مراحل، تتمثل في الآتي:
1. تحديد السياسة العامة: هي المرحلةُ الأولى من مراحل السياسة العامة، ويتمُّ فيها تحديدُ طبيعة السياسة العامة التي ستطبقُ في مجتمعٍ ما، من خلال اعتماد الربطِ بين الخُطط السياسيّة المكتوبة على الورق، والموارد المتاحة لتنفيذها، والواقع العام في المجتمع.
2. صناعةُ السياسة العامة: هي استخدامُ الخطة السياسيّة المناسبة لتنفيذها، من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة، عن طريق صياغةِ مجموعةٍ من التوقعات، والاحتمالات التي تساعدُ على بناءِ سياسةٍ عامة بأسلوبٍ صحيح.
4. تنفيذُ السياسة العامة: هو التطبيقُ الفعليُّ للسياسةِ العامة في المجتمع، والتي تشملُ تنفيذ كافة الاحتمالات المطابقة للفكر السياسيّ العام.
5. متابعة وتقييم السياسة العامة: هي المرحلةُ الأخيرة من مراحل السياسة العامة، والتي تعتمدُ على التأكدِ من تنفيذ السياسة العامة، والبحثُ عن حلولٍ لأي أخطاءٍ قد تحدثُ أثناء عملية التنفيذ.
ومن المهم جداً ينبغي التنبيه إلى أن دولة السودان ينبغي أن تستشعر أهمية دراسة السياسات العامة كما في بقية الدول النامية، حيث تكتسب منهجيتها أهمية كبيرة حيث يكاد يتطابق فيها تعريف السياسة العامة مع نشاط الدولة، لما تضطلع به الدولة من دور أساسي في المجتمع، والسودان أكثر احتياجاً إلى الأساليب المنهجية التي يقدمها علم السياسات العامة، وإلى الأساليب الفنية المرتبطة بهذه الدراسات. فحاجة الدولة إلى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، والدور الأساس للحكومة وللسياسات العامة فى تسيير شئون المجتمع وندرة الموارد الاقتصادية التي تجعل الإنفاق على أحد المجالات على حساب حرمان إشباع حاجات أساسية اخرى قد تتساوى أو تتعاظم أهميتها. وأثر ذلك على المسألة المتعلقة بشرعية النظام.
ووفق المنهج الذي تستند إليه الدراسة العلمية للسياسات، يفترض التنسيق والتكامل بين المنظمات والأنشطة المختلفة، وهي أشياء ترتبط بمرحلة معينة من مراحل التقدم الاجتماعى، كما أن مثل هذه الدراسة تطلب أن تتوافر في المجتمع ثقافة سياسية ديمقراطية تسمح بتبادل وجهات النظر، واحترام المصالح المتباينة، وقبول الحلول غير التقليدية. ولذلك كان لا بد من التركيز على نشر هذه الثقافة الديمقراطية قولاً وممارسة على أرض الواقع قبل الشروع في التنفيذ.
شارك المقال